للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منازل قربه ونيل كرامته، فهم على كل حال يربحون عليه يتقلبون فى كرمه وإحسانه، وكل قضاءٍ يقضيه للمؤمن فهو خير به يسوقه إلى كرامته وثوابه، وكذلك عطاياه الدنيوية نعم منه عليهم، فإذا استرجعها أيضاً منهم وسلبهم إياها انقلبت من عطايا الآخرة ما قيل:

إن الله ينعم على عباده بالعطايا الفاخرة، فإذا استرجعها كانت عطايا الآخرة، والرب سبحانه قد تجلى لقلوب المؤمنين العارفين وظهر لها بقدرته وجلاله وكبريائه ومضى مشيئته وعظيم سلطانه وعلو شأْنه وكرمه وبره وإحسانه وسعة مغفرته ورحمته وما ألقاه فى قلوبهم من الإيمان بأسمائه وصفاته إلى حيث احتملته القوى البشرية ووراءه مما لا تحتمله قواهم ولا يخطر ببال ولا يدخل فى خلد مما لا نسبة لما عرفوه إليه.

فاعلم أن الذين كان قسمهم أنواع المعاصى والفجور، وفنون الكفر والشرك والتقلب فى غضبه وسخطه وقلوبهم وأرواحهم شاهدة عليهم بالمعاصى والكفر مقرة بأن له الحجة عليهم وأن حقه قبلهم، ولا يذكر أحد منهم النار إلا وهو شاهد بذلك مقر به معترف اعتراف طائع لا مكره مضطهد، فهذه شهادتهم على أنفسهم وشهادة أوليائه عليهم والمؤمنون يشهدون فيهم بشهادة أخرى لا يشهد بها أعداؤه، ولو شهدوا بها وباؤا بها لكانت رحمته أقرب إليهم من عقوبته، فيشهدون أنهم عبيده وملكه وأنه أوجدهم ليظهر بهم مجده وينفذ فيهم حكمه ويمضى فيهم عدله، ويحق عليهم كلمته ويصدق فيهم وعيده ويبين فيهم سابق علمه، ويعمر بهم ديارهم ومساكنهم التى هى محل عدله وحكمته، وشهد أولياؤه عظيم ملكه وعز سلطانه وصدق رسله وكمال حكمته وتمام نعمته عليهم وقدر ما اختصهم به ومن أى شيء حماهم وصانهم، وأى شيء صرف عنهم، وأنه لم يكن لهم إليه وسيلة قبل وجوده يتوسلون بها إليه أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال وأن يجعلهم من أصحاب اليمينى، وشهدوا له سبحانه بأن ما كان منه إليهم وفيهم مما يقتضيه إتمام كلماته الصدق والعدل قوله وتحقق مقتضى أسمائه فهو محض حقه.

وكل ذلك منه حسن جميل له عليه أتم حمد وأكمله وأفضله، وهو حكم عدل وقضاءٌ فصل، وأنه المحمود على ذلك كله فلا يلحقه منه ظلم ولا جور ولا عبث، بل ذلك عين الحكمة ومحض الحمد وكمال أظهره فى حقه وعز أبداه وملك أعلنه ومراد له أنفذه كما فعل بالبدن وضروب الأنعام أتم بها مناسك أوليائه وقرابين عباده، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الأنعام هلاكاً وإتلافاً،

<<  <   >  >>