َ إِلى أَن يقتص منهم ثم يردون، فمن عصى منهم بعد ردّه كرر أَيضاً عليه ذلك التناسخ هكذا أبداً حتى يطيع طاعة لا معصية بعدها أَبداً فينتقل إلى الجنة من وقته.
وقد ذهب إلى هذا المذهب من المنتسبين إلى الإِسلام رجل يقال له أَحمد بن حائط طرد أُصول القدرية وشريعتهم التى شرعوها لله فأَوجبوا بها عليه وحرموا. وذهب المجوس إِلى أَن هذه الآلام والشرور من الإِله الشرير المظلم فلا تضاف إِلى الإِله الخير العادل ولا تدخل تحت قدرته، ولهذا كان أَشبه أهل البدع بهم القدرية النفاة. وقالت الزنادقة والدهرية: كل ذلك من تصرف الطبيعة وفعلها، وليس لذلك فاعل مختار مدبر بمشيئته وقدرته، ولا بد فى النار من إِحراق ونفع وفى الماءِ من إِغراق ونفع، وليس وراءَ ذلك شيء، فهذه مذاهب أَهل الأَرضِ فى هذا المقام.
ولما انتهى أَبو عيسى الوراق إِلى حيث انتهت إِليه أَرباب المقالات فطاش عقله ولم يتسع لحكمة إِيلام الحيوان وذبحه صنف كتاباً سماه النوح على البهائم، فأَقام عليها المآتم وناح، وباح بالزندقة الصراح. وممن كان على هذا المذهب أَعمى البصر والبصيرة كلب معرّة النعمان المكنى بأبى العلاءِ المعرى، فإِنه امتنع من أَكل الحيوان زعم لظلمه بالإِيلام والذبح، وأَما ابن خطيب الرى فإِنه سلك فى ذلك طريقة مركبة من طريقة المتكلمين وطريقة الفلاسفة المشائين وهذبها ونقحها واعترف فى آخرها بأَنه لا سبيل إِلى الخلاص من [المطالبات] التى أَوردها على نفسه إلا بالتزام أَنه تعالى موجب بالذات لا فاعل بالقصد والاختيار، فأَقر على نفسه بالعجز عن أَجوبة تلك المطالبات إِلا بإِنكار قدرة الله ومشيئته وفعله الاختيارى، وذلك جحد لربوبيته، فزعم أَنه لا يمكنه تقرير حكمته إلا بجحد ربوبيته، ونحن نذكر كلامه بأَلفاظه. وقال فى "مباحثه المشرقية":