ويوقف السالك وينكس الطالب، فالزهد فيه على أَصحاب الهمم العلية متعين تعين الواجب الذى لا بد منه، وهو كزهد السالك إِلى الحج فى الظلال والمياه التى يمر بها فى المنازل، فالأَول مقيد عن الحقائق برؤية الأعراض، والثانى مقيد عن النهايات برؤية الأَحوال، فتقيد كل منهما عن الغاية المطلوبة، وترتب على هذا القيد عدم النفوذ، وذلك مؤخر مخلف.
وإذا عرف العبد هذا وانكشف له [علمه] تعين عليه الزهد فى الأَحوال والفقر منها، كما تعين عليه الزهد فى المال والشرف وخلو قلبه منهما. ولما كان موجب الدرجة الأولى من الفقر الرجوع إِلى الآخرة، فأَوجب الاستغراق فى هم الآخرة نفض اليدين من الدنيا ضبطاً أَو طلباً، وإِسكات اللسان عنها مدحاً أَو ذماً. وكذلك كان موجب هذه الدرجة الثانية الرجوع إِلى فضل الله [عز وجل] ومطالعة سبقه الأَسباب والوسائط، فبفضل الله ورحمته وجدت منه الأَقوال الشريفة، والمقامات العلية، وبفضله ورحمته وصلوا إِلى رضاه ورحمته، وقربه وكرامته وموالاته
وكان سبحانه هو الأَول فى ذلك كله كما أَنه الأَول فى كل شيء، وكان هو الآخر فى ذلك كما هو الآخر فى كل شيء، فمن عبده باسمه الأَول والآخر حصلت له حقيقة هذا الفقر، فإن انضاف إِلى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات التعبد ظاهراً وباطناً فعبوديته باسمه الأَول تقتضى التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف عليها والالتفات إِليها، وتجريد النظر إِلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأَنه هو المبتديء بالإِحسان من غير وسيلة من العبد، إِذ لا وسيلة له فى العدم قبل وجوده، وأَى وسيلة كانت هناك، وإِنما هو عدم محض، وقد أَتى عليه [حين] من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، فمنه سبحانه الإِعداد ومنه الإِمداد وفضله سابق على الوسائل، والوسائل من مجرد فضله وجوده لم تكن بوسائل أُخرى. فمن نزَّل اسمه الأَول على هذا المعنى أَوجب له فقراً خاصاً وعبودية خاصة، وعبوديته باسمه الآخر تقتضى أيضاً [عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها فإنها تعدم لا محالة وتنقضى] بالآخرية، ويبقى الدائم الباقى بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضى، والتعلق بالآخر عز وجل تعلق بالحى الذى لا يموت ولا يزول فالمتعلق به حقيق أَن لا يزول ولا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له