المدينة فدخلت مسجدها فجلست إلى سارية، فجاءَ حذيفة فقال: ألا أُحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول:"يبعث الله تبارك وتعالى هذه الأُمة- أَو كما قال- ثلاثة أصناف، وذلك فى قوله تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}[فاطر: ٣٢] ، فالسابق بالخيرات يدخل الجنة بلا حساب والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً، والظالم لنفسه يدخل الجنة برحمة الله.
ومنها ما رواه الطبرانى عن محمد بن إسحاق بن راهوية: حدثنا أبى، حدثنا جرير عن الأعمش عن رجل سماه عن أَبى الدرداءِ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ الآية ... قال: "السابق بالخيرات والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة".
ومنها ما رواه ابن لهيعة عن أبى جعفر عن يونس بن عبد الرحمن عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَاب الَّذِينَ اصطفيْنَا مِنْ عِبَادِنَا- إِلى قوله -سَابقٌ بِالْخَيْرَات}[فاطر: ٣٢] ، قال: فأَما السابقون فيدخلون الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، وأما الظالمون فيحاسبون فيصيبهم عناءُ وكرب ثم يدخلون الجنة ثم يقولون:{الْحَمْدُ للهِ الَّذى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَرَنْ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُورٌ}[فاطر: ٣٤] منها ما رواه الحميدى: حدثنا سفيان، حدثنا طعمة بن عمرو الجعفرى عن رجل قال: قال أبو الدرداءِ لرجل: ألا أُحدثك بحديث أخصك به لم أحدث به أحداً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فَمِنْهُمْ ظالم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمنهم سَابِقٌ بالخيَرَات} بإذن الله جَنَّاتُ عَدْنٍ قال: "دخلوا الجنة جميعاً".
واحتجت أيضاً بالآيات والأَحاديث التى تشهد بنجاة الموحدين من أهل الكبائر ودخولهم الجنة. واحتجت أيضاً بأَن ظلم النفس إِنما يراد به ظلمها بالذنوب والمعاصى، فإِن الظلم ثلاثة أَنواع: ظلم فى حق النفس باتباعها شهواتها وإيثارها لها على طاعة ربها وظلم فى حق الخلق بالعدوان عليهم ومنعهم حقوقهم، وظلم فى حق الرب بالشرك به، فظلم النفس إِنما هو بالمعاصى وقد تواترت النصوص بأَن العصاة من الموحدين مآلهم إلى الجنة.
وقالت طائفة: بل الوعد بالجنات إِنما هو للمقتصد والسابق دون الظالم لنفسه، فإِن الظالم لنفسه لا يدخل تحت الوعد المطلق والظالم لنفسه هنا هو الكافر، والمقتصد المؤمن العاصى والسابق المؤمن التقى. وهذا يروى عن عكرمة والحسن وقتادة، وهو