للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأسماءَه الحسنى مشاهداً له فى أسمائه وصفاته، قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته، فبات جسمه فى فراشه يتجافى عن مضجعه، وقلبه قد أَوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه، وأسجده بين يديه خاضعاً خاشعاً ذليلاً منكسراً من كل جهة من جهاته.

فيا لها سجدة ما أشرفها من سجدة، لا يرفع رأْسه منها إلى يوم اللقاءِ.

وقيل لبعض العارفين: أيسجد القلب بين يدى ربه؟ قال: أى والله، بسجدة لا يرفع رأْسه منها إلى يوم القيامة.

فشتان بين قلب يبيت عنه ربه قد قطع فى سفره إليه بيداءَ الأَكوان وخرق حجب الطبيعة، ولم يقف عند رسم، ولا سكن إلى علم حتى دخل على ربه فى داره فشاهد عز سلطانه وعظمة جلاله وعلو شأْنه وبهاءَ كماله، وهو مستو على عرشه يدبر أمر عباده وتصعد إليه شؤون العباد وتعرض عليه حوائجهم وأعمالهم، فيأْمر فيها بما يشاءُ، فينزل الأمر من عنده نافداً [كما أمر] ، فيشاهد الملك الحق قيوماً بنفسه مَقِّيمَاً لكل ما سواه غنياً عن كل من سواه وكل من سواه فقير إِليه: {يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩] ، يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويفك عانياً وينصر ضعيفاً ويجبر كسيراً ويغنى فقيراً ويميت ويحيى ويسعد ويشقى ويضل ويهدى وينعم على قوم ويسلب نعمته عن آخرين ويعز أَقواماً ويذل آخرين ويرفع أَقواماً ويضع آخرين.

ويشهده كما أَخبر عنه أعلم الخلق به وأصدقهم فى خبره حيث يقول فى الحديث الصحيح: "يمين الله ملأَى لا يغيضها نفقة، سحاءَ الليل والنهار، أَرأَيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإِنه لم يغض ما فى يمينه، وبيده الأُخرى الميزان يخفض ويرفع"، فيشاهده كذلك يقسم الأرزاق ويجزل العطايا ويمن بفضله على من يشاءُ من عباده بيمينه، وباليد الأُخرى الميزان يخفض به من يشاء ويرفع به من يشاءُ عدلاً منه وحكمة لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فيشهده وحده القيوم بأمر السموات والأرض ومن فيهن، ليس له بواب فيستأْذن ولا حاجب فيدخل عليه، ولا وزير فيؤتى ولا ظهير فيستعان به ولا ولى من دونه فيشفع به إليه، ولا نائب عنه فيعرفه حوائج عباده، ولا معين له فيعاونه على قضائها، [بل قد] أحاط سبحانه بها علماً ووسعها قدرة ورحمة، فلا تزيده كثرة الحاجات إلا جوداً وكرماً، ولا يشغله منها شأْن عن شأْن، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين.

لو اجتمع أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم وقاموا فى

<<  <   >  >>