للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقصده بالهلاك أو الأذى والتى من بعضها [أرواح] شياطين الإنس والجن، فإِنها تلتقى بروحه إذا نام فتقصد إهلاكه وأذاه، فلولا أَن الله سبحانه يدفع عنه لما سلم. هذا [وكم تتلقى] الروح فى تلك الغيبة من أَنواع الأَذى والمخاوف والمكاره والتفزيعات ومحاربة الأعداءِ والتشويش والتخبيط بسبب ملابستها لتلك الأَرواح، فمن الناس من يشعر [بذلك لرقة روحه ولطافتها ويجد آثار ذلك فيها] إذا استيقظ من الوحشة والخوف والفزع والوجع الروحى الذى ربما غلب حتى سرى إلى البدن، ومن الناس من تكون روحه أَغلظ وأكثف وأقسى من أن تشعر بذلك، فهى مثخنة بالجراح مزمنة بالأَمراض ولكن لنومها لا تحس بذلك.

هذا، وكم من مريد لإهلاك جسمه من الهوام وغيرها، وقد حفظه منه فهى فى أحجارها محبوسة عنه لو خليت وطبعها لأهلكته، فمن ذا الذى كلأَه وحرسه وقد غاب عنه حسه وعلمه وسمعه وبصره، فلو جاءَه البلاءُ من أَى مكان جاءَ لم يشعر به، ولهذا ذكر سبحانه عباده هذه النعمة وعدها عليهم من جملة نعمه فقال: {مَن يَكْلأَكُمْ بِاللَّيْلِ وَالْنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: ٤٢] .

فإذا تصور العبد ذلك فقال: "الْحَمْدُ للهِ" كان حمده أَبلغ وأَكمل من حمد الغافل عن ذلك، ثم تفكر فى أَن الذى أَعاده بعد هذه الإماتة حياً سليماً قادراً على أَن يعيده بعد موتته الكبرى حياً كما كان، ولهذا يقول بعدها: "وَإِلَيْهِ الْنُّشُورُ"، ثم يقول: "لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالْحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ الله وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ" ثم يدعو ويتضرع، ثم يقوم إلى الوضوء بقلب حاضر مستصحب لما فيه، ثم يصلى ما كتب الله [له] صلاة محب ناصح لمحبوبه متذلل منكسر بين يديه، لا صلاة مدل بها عليه يرى من أَعظم نعم محبوبه عليه أَن أَقامه وأَنام غيره، واستزاره وطرد غيره، وأهله وحرم غيره، فهو يزداد بذلك محبة إلى محبته، ويرى أَن قرة عينه وحياة قلبه وجنة روحه ونعيمه ولذته وسروره فى تلك الصلاة، فهو يتمنى طول ليله ويهتم بطلوع الفجر كما يتمنى المحب الفائز بوصول محبوبه ذلك، فهو كما قيل:

يود أن ظلام الليل دام له ... وزيد فيه سواد القلب والبصر

فهو يتملق فيها مولاه تملق المحب لمحبوبه، العزيز الرحيم، ويناجيه بكلامه معطياً

<<  <   >  >>