للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيء فى العقول أو تشوش فى المحسوس أو اضطراب فى المعهود فهو المدبر له، وشأنه سوق المقادير إلى المواقيت، والمتوكل من أراح نفسه من كل النظر فى مطالعة السبب سكوناً إلى ما سبق من القسمة مع استواءِ الحالين عنده وهو أن يعلم أن الطلب لا يجمع والتوكل لا يمنع، ومتى طالع بتوكله عرضاً كان توكله مدخولاً وقصده معلولاً، فإذا خلص من رق هذه الأسباب ولم يلاحظ فى توكله سوى خالص حق الله كفاه الله [تعالى] كل مهم".

ثم ذكر حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم أنه فى رعايته نام عن غنمه، فاستيقظ فوجد الذئب واضعاً عصاه على عاتقه يرعاها فعجب من ذلك، فأوحى الله إليه: يا موسى، كن لى كما أُريد، أَكن لك كما تريد.

فيقال: الكلام على هذا من وجوه:

أحدها: إن جعله التوكل من منازل العوام باطل كما تقدم، بل الخاصة أحوج إليه من العامة، وتوكل الخواص أعظم من توكل العوام. والتوكل مصاحب للصادق من أول قدم يضعه فى الطريق إلى نهايته، وكلما ازداد قربه وقوى سيره ازداد توكله. فالتوكل مركب السائر الذى لا يتأتى له السير إلا به، ومتى نزل عنه انقطع لوقته، وهو من لوازم الإيمان ومقتضياته، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣] ، فجعل التوكل شرطاً فى الإيمان، فدل على انتفاءِ الإيمان عند انتفاء التوكل، وفى الآية الأُخرى: {وَقَال مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنْتُمْ مُسْلِمِين} [يونس: ٨٤] فجعل دليل صحة الإسلام التوكل، وقال تعالى: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٢٢، ١٦٠] [المائدة: ١١] [التوبة: ٥١] [إبراهيم: ١١] [المجادلة: ١٠] [التغابن: ١٣] ، فذكر اسم الإيمان هاهنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاءِ الإيمان للتوكل، وإن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوى إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفاً، فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد، والله تعالى يجمع بين التوكل والعبادة وبين التوكل والإيمان، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والهداية.

فأما التوكل والعبادة، فقد جمع [سبحانه] بينهما فى سبعة مواضع من كتابه، أحدها: فى

<<  <   >  >>