للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

..

...

لا بد له من واحد من هذه الثلاثة فالصبر لازم له أبداً لا خروج له البتة.

الوجه الرابع: أن الله سبحانه ذكر الصبر فى كتابه فى نحو تسعين موضعاً، فمرة أمر به، ومرة أثنى على أهله، ومرة أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر به أهله، ومرة جعله شرطاً فى حصول النصر والكفاية ومرة أخبر أنه مع أهله، وأثنى به على صفوته من العالمين وهم أنبياؤه ورسله، فقال عن نبيه أيوب: {إِنَا وَجَدْنَاهُ صَابِرَاً، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب} [سورة ص: ٤٤] ، وقال [تعالى] لخاتم أنبيائه ورسله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنِ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥] ، وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ} [النمل: ١٢٧] ، وقال يوسف الصديق، وقد قال له إخوته: {أَإِنَّكَ لأنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى، قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ الله لا يُضِيَعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٩٠] ، وهذا يدل على أن الصبر من أجل مقامات الإيمان، وأن أخصّ الناس بالله وأولاهم به أشدهم قياماً وتحققاً به، وأن الخاصة أحوج إليه من العامة.

الوجه الخامس: أن الصبر سبب فى حصول كل كمال، فأكمل الخلق أصبرهم، ولم يتخلف عن أحد كماله الممكن إلا من ضعف صبره، فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص.

فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف وحال كامل، ولهذا فى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه الإمام أحمد وابن حبان فى صحيحه: "اللَّهم إنى أسألك الثبات فى الأمر والعزيمة على الرشد"، ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر، فلو علم العبد الكنز الذى تحت هذه الأحرف الثلاثة أعنى اسم "الصبر" لما تخلف عنه.

قال النبى صلى الله عليه وسلم: "ما أُعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"، وقال عمر بن الخطاب [رضى الله عنه] حين غشى عليه: أدركناه بالصبر. وفى مثل هذا قال القائل:

نزه فؤادك عن سوانا والقنا ... فجنابنا حل لكل منزه

والصبر طلّسم لكنز وصالنا ... من حل ذا الطلَّسم فاز بكنزه

فالصبر طلسم على كنز السعادة، من حله ظفر بالكنز.

الوجه السادس: قوله: "الصبر حبس النفس على مكروه، وعقل اللسان عن

<<  <   >  >>