للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تحمله على ترك معاصيه. وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم، فما عمر القلب شيء كالمحبة المقترنة بإجلال الله وتعظيمه، وتلك من أفضل مواهب الله لعبده أو أفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ.

السبب السادس: شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التى تحطها وتضع قدرها، وتخفض منزلتها وتحقرها، وتسوى بينها وبين السفلة.

السبب السابع: قوة العلم بسوءِ عاقبة المعصية، وقبح أثرها والضرر الناشيء منها: من سواد الوجه، وظلمة القلب، وضيقه وغمه، وحزنه وأَلمه، وانحصاره، وشدة قلقه واضطرابه، وتمزق شمله. وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعريه من زينته والحيرة فى أَمره وتخلى وليه وناصره عنه، وتولى عدوه المبين له، وتوارى العلم الذى كان مستعداً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أَو ضعفه ولا بد، ومرضه الذى إذا استحكم به فهو الموت ولا بد، فإِن الذنوب تميت القلوب، ومنها ذله بعد عزة، ومنها أن يصير أسيراً فى يد أعدائه بعد أن كان ملكاً متصرفاً يخافه أعداؤه، ومنها أن يضع تأثيره فلا يبقى له نفوذ فى رعيته ولا فى الخارج فلا رعيته تطيعه إذا أَمرها، ولا ينفذ فى غيرهم، ومنها زوال أَمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، ومنها زوال الأُنس والاستبدال به وحشة، وكلما ازداد إساءة ازداد وحشة، ومنها زوال الرضى واستبداله بالسخط، ومنها زوال الطمأْنينة بالله والسكون إليه والإيواء عنده واستبدال الطرد والبعد منه، ومنها وقوعه فى بئر الحسرات، فلا يزال فى حسرة دائمة كلما نال لذة نازعته نفسه إلى نظيرها إن لم يقض منها وطراً، أو إلى [غيرها] إن قضى وطره منها، وما يعجز عنه من ذلك أضعاف أضعاف ما يقدر عليه، وكلما اشتد نزوعه وعرف عجزه اشتدت حسرته وحزنه.

فيالها ناراً قد عذب بها القلب فى هذه الدار قبل نار الله الموقدة التى تطلع على الأفئدة، ومنها فقره بعد غناه فإنه كان غنياً بما معه من رأْس مال الإيمان وهو يتجر به ويربح الأرباح الكثيرة، فإذا سلب رأْس ماله أصبح فقيراً معدماً، فإما أن يسعى بتحصيل رأْس مال آخر بالتوبة النصوح والجد والتشمير [وإلا] فقد فاته ربح كثير بما أضاعه من رأْس

<<  <   >  >>