للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبب التاسع: مجانبة الفضول فى مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس، فإن قوة الداعى إلى المعاصى إنما تنشأُ من هذه الفضلات، فإنها تطلب لها مصرفاً فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام. ومن أعظم الأشياء ضرراً على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولا بد.

السبب العاشر: وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: ثبات شجرة الإيمان فى القلب، فصبر العبد عن المعاصى إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتمّ وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر، فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له، وتحريمه لما حرم عليه، وبغضه له، ومقته لفاعله وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار، وامتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم.

ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصى بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإذا قوى سراج الإيمان فى القلب، وأَضاءَت جهاته كلها به، وأشرق نوره فى أرجائه، سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعى الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها، كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته. فهو كل وقت يترقب داعيه، ويتأهب لموافاته. والله يختص برحمته من يَشاءُ، والله ذو الفضل العظيم.

فصل

والصبر على الطاعة ينشأُ من معرفة هذه الأسباب ومن معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة، ومن أَقوى أسبابها: الإيمان والمحبة، فكلما قوى داعى الإيمان والمحبة فى القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.

وههنا مسألة تكلم فيها الناس، وهى أى الصبرين أفضل صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟ فطائفة رجحت الأول وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدّيقين، كما قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصى إلا صدّيق. قالوا: ولأن داعى المعصية أشد من دواعى ترك الطاعة، فإن داعى المعصية إلى [داع أمر] أمر وجودى تشتهيه النفس وتلتذ به، والداعى إلى ترك الطاعة الكسل والبطالة والمهانة، ولا ريب أن داعى المعصية أقوى.

قالوا: ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعى النفس والهوى والشيطان وأسباب الدنيا وقرناءُ الرجل وطلب التشبه

<<  <   >  >>