إليها، وتوفر عليها الأوقات وتتوجه نحوها الطلبات، فنسأل الله الذى بيده مفاتيح كل خير أن يفتح علينا خزائن رحمته، ويجعلنا من أهل هذه الصفة بمنه وكرمه وأصحاب هذه المرتبة يُدعون عظماءَ فى ملكوت السماءِ كما قال بعض السلف: من علم وعمل وعلَّم، فذلك يدعى عظيماً فى ملكوت السماء.
وهؤلاء هم العدول حقاً بتعديل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، إذ يقول فيما يروى عنه من وجوه [سند] بعضها بعضاً "يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وما أحسن ما قال فيهم الإمام أحمد فى خطبة كتابه فى "الرد على الجهمية": "الحمد لله الذى جعل فى كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أجبروه، ومن ضال جاهل قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين". وذكر ابن وضاح هذا الكلام عن عمر بن الخطاب.
الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته الذين تؤمن بهم السبل ويستقيم بهم العالم ويستنصر بهم الضعيف ويذل بهم الظالم ويأْمن بهم الخائف وتقام بهم الحدود ويدفع بهم الفساد ويأْمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقام بهم حكم الكتاب والسنة وتطفأُ بهم نيران البدع والضلالة، وهؤلاء الذين تنصب لهم المنابر من النور عن يمين الرحمن عز وجل يوم القيامة فيكونون عليها- والولاة الظلمة قد صهرهم حر الشمس وقد بلغ منهم العرق مبلغه وهم يحملون أثقال مظالمهم العظيمة على ظهورهم الضعيفة فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيل أحدهم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
قال النبى صلى الله عليه وسلم:" المقسطون [عند الله] على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن تبارك وتعالى وكلتا يديه يمين، الذى يعدلون فى حكمهم وأهلم وما ولوا"، وعنه صلى الله عليه وسلم:"إن أحب الخلق إلى الله وأقربهم منه منزلة يوم القيامة إمام عادل، وإن أبغض الخلق إلى الله وأبعدهم منه منزلة يوم القيامة إمام جائر" أو كما قال.
وهم أحد السبعة الأصناف الذين يظلهم الله فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وكما كان الناس فى ظل عدلهم فى الدنيا كانوا فى ظل عرش الرحمن يوم القيامة ظلاً بظل جزاءً وفاقاً، ولو لم يكن من فضلهم