للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ كَمَثَل حَبّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سنَابِلَ فِى كُلِّ سُنْبُلَةٍ مَائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦١] ، وهذه الآية كالتفسير والبيان لمقدار الأضعاف التى يضاعفها للمقرض، ومثل سبحانه بهذا المثل إحضاراً لصورة التضعيف فى الأذهان بهذه الحبة التى غيبت فى الأرض فأنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة، حتى كأن القلب ينظر إلى هذا التضعيف ببصيرته كما تنظر العين إلى هذه السنابل التى من الحبة الواحدة فينضاف الشاهد العيانى الشاهد الإيمانى القرآنى فيقوى إيمان المنفق وتسخو نفسه بالإنفاق.

وتأمل كيف جمع السنبلة فى هذه الآية على سنابل وهى من [مجموع] الكثرة، إذ المقام مقام تكثير وتضعيف، وجمعها على سنبلات فى قوله تعالى: {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف: ٤٣] ، فجاءَ بها على جمع القلة لأن السبعة قليلة ولا مقتضى للتكثير. وقوله تعالى: {وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦١] ، قيل: المعنى والله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاءُ لا لكل منفق بل يختص برحمته من يشاءُ، وذلك لتفاوت أحوال الإنفاق فى نفسه، [وفى صفات] المنفق وأحواله [و] فى شدة الحاجة وعظيم النفع وحسن الموقع.

وقيل: والله يضاعف لمن يشاءُ فوق ذلك فلا يقتصر به على السبعمائة، بل يجاوز فى المضاعفة هذا المقدار إلى أضعاف كثيرة.

واختلف فى تفسير الآية فقيل: مثل نفقة الذين ينفقون فى سبيل الله كمثل حبة. وقيل: مثل الذين ينفقون فى سبيل الله كمثل باذر حبة، ليطابق الممثل للممثل به. [فها هنا] أربعة أُمور: منفق، ونفقة، وباذر، وبذر. فذكر سبحانه من كل شق أهم قسميه، فذكر من شق الممثل المنفق إذ المقصود ذكر حاله وشأْنه، وسكت عن ذكر النفقة لدلالة اللفظ عليها. وذكر من شق الممثل به البذر إذ هو المحل الذى حصلت فيه المضاعفة، وترك ذكر الباذر لأن القرض لا يتعلق بذكره.

فتأمل هذه البلاغة والفصاحة والإيجاز المتضمن لغاية البيان. وهذا كثير فى أمثال القرآن، بل عامتها ترد على هذا النمط، ثم ختم الآية بإسمين من أسمائه الحسنى مطابقين لسياقها، وهما الواسع والعليم، فلا [يستبعد] العبد هذه المضاعفة ولا يضيق عنها عطنه، فإن المضاعف [سبحانه] واسع العطاء واسع الغنى واسع الفضل، ومع ذلك فلا يظن أن سعة عطائه تقتضى حصولها لكل منفق فإنه عليم بمن تصلح له هذه المضاعفة وهو أهل لها، ومن لا يستحقها ولا

<<  <   >  >>