للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود أن قوله تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهُم الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت: ٢٥] ، أى وجب عليهم العذاب مع أُمم قد مضت من قبلهم من الجن والإنس، ففى هذا أبين دليل على تكليف الثقلين وتعلق الأمر والنهى بهم، وكذلك تعلق الثواب والعقاب بهم، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِّنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنْسِ وَقَالَ أُوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا} إلى قوله تعالى: {إِلا مَا شَاء اللهُ} [الأنعام: ١٢٨] ، وهذا صريح فى تكليفهم، فإن هذا القول [يقال] للجن فى القيامة، فيذكر الإنس استمتاع بعضهم ببعض فى الدنيا، وذلك الاستمتاع هو ما بين الجن والإنس من طاعتهم إياهم فى معصية الله، وعبادتهم لهم دون الله، ليستعينوا بهم على شهواتهم وأغراضهم فإنهم كانوا يستوحونهم ويعوذون بهم ويذبحون لهم وبأَسمائهم ويوالونهم من دون الله كما هو شأْن أكثر المشركين من أَولياءِ الشيطان.

فهذا هو استمتاع بعضهم ببعض، ولهذا يقول تعالى للملائكة يوم القيامة- وقد جمع العابدين والمعبودين-: {أَهُؤَلاءِ إِيّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ؟ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ، بَلْ كَانُوا يَعْبُدُون الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُون} [سبأ: ٤٠ -٤١] فهؤلاء عباد الجن وأولياءُ الشياطين.

وأكثرهم يعلم ويرضى به لما ينال به من المتعة بمعبوده. وكثير منهم ملبوس عليه، فهو يعبد الشيطان ولا يشعر. وقد أشار زيد بن عمرو بن نفيل فى شعره إلى هذا الشرك بالجن فقال:

حنانيك إن الجن كانت رجاءهم

وأنت إِلهى ربنا ورجاؤنا

ولهذا يقولون فى القيامة: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِى أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام: ١٢٨] قال الله تعالى: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ الله} [الأنعام: ١٢٨] فهذا خطاب للصنفين، وهو صريح فى اشتراكهم فى التكليف، كما هو صريح فى اشتراكهم فى العذاب. وهو كثير فى القرآن.

ومما يدل على تكليفهم أيضاً قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ

<<  <   >  >>