وهذا إنما يكون إذا جمعهم الله فى صعيد واحد يسمعهم الداعى وينفذهم البصر. وقال تعالى:{إِنِ اسْتَطَعْتُمْ}[الرحمن: ٣٣] ولم يقل إن استطعتما، لإرادة الجماعة كما فى آية أُخرى:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ ألَمْ يَأْتِكُمْ}[الأنعام: ١٣٠] ، وقال تعالى:{يُرْسِلُ عَلَيْكُمَا}[الرحمن: ٣٥] ، ولم يقل يرسل عليكم لإرادة الصنفين أى لا يختص به صنف عن صنف، بل يرسل ذلك على الصنفين معاً.
وهذا وإن كان مراداً بقوله تعالى:{إِنِ اسْتَطَعْتُمْ}[الرحمن: ٣٣] فخطاب الجماعة فى ذلك بلفظ الجمع أحسن، أى من استطاع منكم.
وحسن الخطاب بالتثنية فى قوله تعالى:{عَلَيْكُمَا}[الرحمن: ٣٥] أَمر آخر. وهو موافقة رؤوس الآى، فاتصلت التثنية بالتثنية. وفيه التسوية بين الصنفين فى العذاب بالتنصيص عليهما، فلا يحتمل اللفظ إرادة أحدهما والله أعلم.
قال ابن عباس: الشواط اللهب الذى لا دخان فيه والنحاس الدخان الذى لا لهب فيه. وقوله تعالى:{فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌ}[الرحمن: ٣٩] فأضاف الذنوب إلى الثقلين، وهذا دليل على أنهما سوياً فى التكليف.
واختلف فى هذا السؤال المنفى، فقيل: هو وقت البعث والمصير إلى الموقف لا يسأَلون حينئذ ويسأَلون بعد إطالة الوقوف واستشفاعهم إلى الله أن يحاسبهم ويريحهم من [مقابلهم] ذلك. وقيل: المنفى سؤال الاستعلام والاستخبار، لا سؤال المحاسبة والمجازاة، أى قد علم الله ذنوبهم فلا يسألهم عنها سؤال من يريد علمها، وإنما يحاسبهم عليها.
فصل
فإذا علم تكليفهم بشرائع الأنبياءِ ومطالبتهم بها وحشرهم يوم القيامة للثواب والعقاب، علم أن محسنهم فى الجنة كما أن مسيئهم فى النار، وقد دل على ذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمنهم:{وَأَنَا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ الآية}[الجن: ١٣] ، وبهذه الحجة احتج البخارى.
ووجه الاحتجاج بها أن البخس المنفى هو نقصان الثواب، والرهق الزيادة فى العقوبة على ما عمل، فلا ينقص من ثواب حسناته ولا يزداد فى سيئاته. ونظير هذا قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِن الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً}[طه: ١١٢] أى لا يخاف زيادة سيئاته ولا نقصان حسناته. وأيضاً فقد قال تعالى فى سورة الرحمن: {وَلِمَن خَافَ مَقَام رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَى