وتفنى عظام الصب بعد مماته ... وأَشواقه وقف عليه محرم
فيا أَيها القلب الذى ملك الهوي ... أَعنته، حتام هذا التلوُّم
وحتام لا تصحو وقد قرب المدي ... ودقت كئوس السير والناس نوم
بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا ... ويبدو لك الأَمر الذى كنت تكتم
ويا موقداً ناراً لغيرك ضؤوها ... وحر لظاها بين جنبيك يضرم
أهذا جنى العلم الذى قد غرسته ... وهذا الذى قد كنت ترجوه تطعم
وهذا هو الحظ الذى قد رضيته ... لنفسك فى الدارين لو كنت تفهم
وهذا هو الربح الذى قد كسبته ... لعمرك لا ربح ولا الأَصل يسلم
بخلت بشيء لا يضرك بذله ... وجدت بشيءٍ مثله لا يقتوَّم
وبعت نعيماً لا انقضاءَ له ولا ... نظبر ببخس عن قليل سيعدم
فهلا عكست الأَمر إن كنت حازماً ... ولكن أَضعت الحزم إن كنت تعلم
وتهدم ما تبنى بكفك جاهداً ... فأنت مدى الأَيام تبنى وتهدم
وعند مراد الحق تفنى كميت ... وعند مراد النفس تسدى وتلحم
وعند خلاف الأَمر تحتج بالقضا ... ظهيراً على الرحمن للجبر تزعم
تنزه تلك النفس عن سوء فعلها ... وتغتاب أَقدار الإله وتظلَم
وتزعم مع هذا بأنك عارف ... كذبت يقيناً فى الذى أنت تزعم
وما أنت إلا جاهل ثم ظالم ... وإِنك بين الجاهلين مقدم
إذا كان هذا نصح عبد لنفسه ... فمن ذا الذى منه الهدى يتعلم
وفى مثل هذا كان قد قال من مضي ... وأحسن فيما قاله المتكلم
فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة ... وإن كنت تدرى فالمصيبة أَعظم
ولو تبصر الدنيا وراءَ ستورها ... رأَيت خيالاً فى منام سيصرم
كحلم بطيف زار فى النوم وانقضى ال ... منام وراح الطيف والصب معرم
وظل أَرته الشمس عند طلوعها ... سيقلص فى وقت الزوال ويفصم
ومزنة صيف طاب منها مقيلها ... فولت سريعاً والحرور تضرّم
فجزها ممراً لا مقراً، وكن بها ... غريباً تعش فيها حميداً وتسلم
أو ابن سبيل قال فى ظل دوحة ... وراح وخلى ظلها يتقسم
أخا سفر لا يستقر قراره ... إلى أَن يرى أَوطانه يسلم
فيا عجباً كم مصرح عطبوا به ... بنوها ولكن عن مصارعها عموا