عليه فى السر ما منعه فى العلانية ولعنه عليه، قال له: فما معنى قوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِم لَوْ آمَنُوا بِالله}[النساء: ٣٩] إذا كان هو الذى منعهم؟ قال: استهزاءً بهم. قال: فما معنى قوله: {مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وآمنتم}[النساء: ١٤٧] قال: قد فعل ذلك بهم من غير ذنب جنوه، بل ابتدأهم بالكفر ثم عذبهم عليه، وليس للآية معنى، وقال بعض هؤلاء- وقد عوتب على ارتكابه معاصى الله فقال: إن كنت عاصياً لأمره فأنا مطيع لإرادته. وجرى عند بعض هؤلاء ذكر إبليس وإبائه وامتناعه من السجود لآدم، فأخذ الجماعة يلعنونه ويذمونه، فقال: إلى متى هذا اللوم؟ ولو خلى لسجد، ولكن منع. وأخذ يقيم عذره فقال بعض الحاضرين: تباً لك سائر اليوم، أتذب عن الشيطان وتلوم الرحمن؟ وجاء جماعة إلى منزل رجل من هؤلاء فلم يجدوه، فلما رجع قال: كنت أصلح بين قوم فقيل له: وأصلحت بينهم؟ قال: أصلحت، إن لم يفسد الله. فقيل له: بؤساً لك، أتحسن الثناء على نفسك وتسيء الثناء على ربك؟ ومُرَّ بلصّ مقطوع اليد على بعض هؤلاء فقال: مسكين، مظلوم، أجبره على السرقة ثم قطع يده عليها، وقيل لبعضهم: أترى الله كلف عباده ما لا يطيقون ثم يعذبهم عليه؟ قال: والله قد فعل ذلك، ولكن لا نجسر أن نتكلم. وأراد رجل من هؤلاء السفر، فودع أهله وبكى. فقيل: استودعهم الله واستحفظهم إياه. فقال: ما أخاف عليهم غيره، وقال بعض هؤلاء: ذنبة أذنبها أحب إلى من عبادة الملائكة. قيل: ولم؟ قال: لعلمى بأن الله قضاها على وقدرها، ولم يقضها إلا والخيرة لى فيها وقال بعض هؤلاء: العارف لا ينكر منكراً، لاستبصاره بسر الله فى القدر. ولقد دخل شيخ من هؤلاء بلداً، فأول ما بدأ به من الزيارات زيارة المواخير المشتملة على البغايا والخمور، فجعل يقول: كيف أنتم فى قدر الله.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: عاتبت بعض شيوخ هؤلاء فقال لى: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب والكون كله مراده، فأى شيء أبغض منه؟ قال: فقلت له إذا كان المحبوب قد أبغض بعض من فى الكون وعاداهم ولعنهم، فأحببتهم أنت وواليتهم، أكنت ولياً للمحبوب أو عدواً له؟ قال: فكأنما ألقم حجراً. وقرأ قاريء بحضرة بعض هؤلاء:{قَالَ يَإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ}[ص: ٧٥] ، فقال: هو والله منعه، ولو قال إبليس ذلك لَكَانَ