مقتضى كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطبي لكن كلام ابن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية. نعم والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم، ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجهاً على أن حديث:"للعامل منهم أجر خمسين منكم" لا يدل على أفضيلة غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضاً: فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث، وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً؟ الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم"١.
والراجح من القولين ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن أفضلية الصحابة إنما هو باعتبار الأفراد وليس بالنسبة إلى المجموع إذ الصحبة لا يعدلها شيء ولمشاهدتهم النبي صلى الله عليه وسلم وذبهم عنه ونصرة دين الإسلام وحرصهم على ضبط الوحي الذي تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتبليغهم إياه إلى من بعدهم ولأن ما هنا خصلة من أعمال الخير إلا سبقوا إليها ويكون لهم أجرها وأجر من عمل بها بعدهم إلى