للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أيام الأشغال ويجلس للإقراء وهو في غاية التصميم لا يتكلم ولا يلتفت ولا يبصق ولا يتنحنح وكذلك من عنده, ويجلس القارئ عليه وهو يشير إليه بالأصابع لا يدعه يترك غنة ولا تشديدًا ولا غيره من دقائق التجويد حتى يأخذه عليه ويرده إليه, وإذا نسي أحد وجهًا من وجوه القراءة يضرب بيده على الحصير, فإن أفاق القارئ ورجع إلى نفسه أمضاه له, وإلا لا يزال يقول للقارئ: ما فرغت حتى يعييه فإذا عيّ رد عليه الحرف ثم يكتبه عليه, فإذا ختم وطلب الإجازة سأله عن تلك المواضع التي نسيها أو غلط فيها في سائر الختمة, فإن أجاب عنها بالصواب كتب له الإجازة, وإن نسي قال له: أعد الختمة فلا أجيزك على هذا الوجه, وهكذا كان دأبه على هذه الحال بحيث إنه لم يأذن لأحد سوى اثنين وهما: السيف الحريري وابن نحلة١ حسب لا غير في جميع عمره مع كثرة من قرأ عليه وقصده من الآفاق وكان مع ذلك دينًا صلفًا حسن الهيئة٢ نزهًا لا يتردد إلى أحد ولا يلتفت إلى غير ما هو بصدده ولا يطلب وظيفة ولا جهة, وكان يكتب الغيبة بيده على نفسه بتربة أم الصالح وإذا جاءه المعلوم نظر فيها وقطع من المعلوم نظير الغيبة ورده, هكذا بلغنا من أصحابه ولكن كان له خلق بذاته ورأي وحده, وله بعض ملك مخلف عن والده، وكان مع ذلك حسن الصوت جيد التلفظ قيمًا بالتجويد, شرح القصيد فوصل فيه إلى أثناء باب الهمز وهو شرح متكلف للتصنيف أخبرني شيخنا عبد الوهاب بن السلار أنه كان يكتب مسودته في لوح فيمحي ويكتب حتى يستقر رأيه على شيء فيكتبه قلت: فكأنه كان من العلماء الذين يصعب عليهم التصنيف, وله مؤلف في وقف حمزة وهشام وقع له فيه بعض وهم, وله التذكرة في الرد على من رد تفخيم الألف وأنكره, رأيته بخطه في كراس يشير إلى أن الألف التي تقع بعد حرف التفخيم إنما تكون مفخمة تبعًا لما قبلها غير مرققة خلافًا لمن نص على الترقيق، أضرّ بآخر عمره، قرأ عليه السيف أبو بكر بن الحريري الشيخ أحمد بن محمد بن يحيى بن نحلة٣ وشيخنا أحمد بن إبراهيم بن الطحان والصلاح بن إسماعيل الحراني القزاز, ولبعض


١ نميلة ق.
٢ الهيئة ق ك, الهيبة ع.
٣ نميلة ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>