الخفاف للديار المصرية قصده للقراءة عليه فامتنع واعتذر بعدم الفراغ, إلا أن يكون ليلًا فقرأ عليه ختمة جمعا للعشرة, ثم إني لما رحلت إليه في سنة تسع وستين جمع بيني وبينه شيخنا ابن الجندي فسألته القراءة فامتنع عليّ, فلما رأى أهليتي أذن لي أن آتي إليه في الليل فكنت آتي إليه نصف الليل وبعده, فقرأت عليه ختمة جمعا بالقراءات السبع بمضمن الشاطبية والتيسير والعنوان في تلك السنة, ثم رحلت إليه الرحلة الثانية سنة إحدى وسبعين فقرأت عليه جمعًا للسبعة وللعشرة بمضمن عدة كتب حسبما في إجازته من الصائغ فكنت آتيه ليلا, فوالله ما أعلمني جئت إليه في وقت من الأوقات في الليل إلا وخرج إلي فجلس على صفة تجاه داره, فقرأت عليه فلما أن ختمت عليه الختمة الثانية وكتب لي الإجازة بخطه, سألته أن يذهب إلى شيخنا جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي شيخ الشافعية فذهب إليه وهو بالمدرسة الناصرية من القاهرة فأشهده, وما كان شيخنا الإسنوي يعلم أني أقرأ القراءات فقال له: والقراءات أيضا فقال: وغيرها من العلوم ثم قال بحضوري: يا سيدي, ادع الله أن يطيل عمره فقال: ما رأينا شخصا ذكيا مثل هذا الشاب يكون عمره طويلا فرفعا أيديهما وأنا أنظر ودعيا١ لي بطول العمر وقد استجاب الله تعالى منهما ولله الحمد, فلا أعلم أحدا اليوم هو على وجه الأرض يروي عنهما غيري فرحمهما الله تعالى، توفي في ثالث عشر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة ولم يخلف بعده مثله, ودرس في عدة أماكن وولي إفتاء دار العدل ثم قضاء العسكر، ومن نظمه ما أنشدني:
بروحي أفدي خاله فوق خده ... ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال
تبارك من أخلى من الشعر خدّه ... وأسكن كلّ الحسن في ذلك الخال
٣١١٢- محمد بن عبد الرحمن بن علي أبو عبد الله التجيبي المرسي الحافظ نزيل تلمسان، أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن الفرس وعن أبي معيط وذلك في سنة خمس وستين وخمسمائة، ثم حج فأكثر عن السلفي, وبرع في الحديث, وصنف أربعينيات ومعجمًا, مات سنة عشر وستمائة بالمغرب عن سبعين سنة.