للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجد فيها من الغريب شيئًا، وتتأمل ما جَمَعهُ العلماءُ في غَريب القرآن؛ فترى الغريبَ منه إلا في القليلِ، إنما كان غريباً من أَجْل استعارةٍ هي فيهِ، كمِثْل {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: ٩٣]، ومثْل: {خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: ٨٠]، ومثْلِ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤]، دون أن تكون اللفظةُ غريبةً في نفسها؛ إنما ترى ذلك في كلماتٍ معدودةٍ كَمِثلِ: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: ١٦] و {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر} [القمر: ١٣]، و {جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: ٢٤].

غريب اللغة، ليس له مكان في الإعجاز:

٤٦٨ - ثم إنَّه لو كان أَكْثَرُ ألفاظِ القرآنِ غريباً، لكانَ محالاً أن يَدْخُلَ ذلك في الإِعجازِ، وأنْ يَصِحَّ التحدِّي به. ذاك لأنه لا يَخْلو إذا وقَعَ التحدِّي به من أن يُتحدَّى مَنْ له علْمٌ بأمثالهِ منَ الغريبِ، أو مَنْ لا عِلْمَ له بذلك.

فلو تُحدِّي بهِ مَن يَعْلَمُ أمثالَه، لم يتَعذَّر عليه أن يعارِضَه بمثله.

ألا تَرى أنه لا يتعذَّرُ عليكَ إذا أنتَ عرفْتَ ما جاء منَ الغريبِ في معنى "الطويل" أَنْ تعارِض مَنْ يقولُ: "الشوقَبُ"، بأن تقولَ أنتَ "الشوذَبُ"، وإِذا قال: "الأمَقُّ" أن تقول "الأَشقُّ"؟ ١ وعلى هذا السبيل.

ولو تُحُدِّي به مَنْ لا عِلْمَ له بأمثالِ ما فيه من الغريبِ، كان ذلك بمنزلةِ أن يُتَحدَّى العربُ إلى أن يتكلموا بلسانِ التركِ.

٤٦٩ - هذا، وكيفَ بأنْ يدْخلَ الغريبُ في بابِ الفضيلة، وقد ثَبتَ عنهم أَنهم كانوا يَروْنَ الفضيلةَ في تَرْك استعمالِه وتجنُّبهِ؟ أفلاَ تَرى إلى قول عمر


١ هذه الألفاظ بمعنى الطويل مع فروق فيها.