للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأخيرها في رَجُلٍ يُدْعى إلى البيعة، وإنَّ المعنى على أنه أرادَ أن يقولَ: إنَّ مثَلَكَ في تردُّدكَ بين أنْ تُبَايع، وبين أن تَمْتنعَ، مثَلُ رَجُلٍ قائمٍ ليذهَبَ في أمرٍ، فجَعَلَتْ نَفسُه تُريهِ تارةً أنَّ الصوابَ أنْ يذْهَبَ وأُخرى أنه في أنْ لا يَذْهَبَ فجعلَ يُقدّم رِجْلاً تارةً، ويُؤخِّر أُخْرى.

٥٢٠ - وهكذا كلُّ كلامٍ كان ضرْبَ مثَلٍ، لا يَخْفى على مَنْ له أدنى تمييزٍ أنَّ الأغراضَ التي تكونُ للناس في ذلك لا تُعْرَف من الألفاظِ، ولكنْ تكونُ المعاني الحاصلةٌ من مجموعِ الكلام أدلَّةً على الأغراضِ والمقاصدِ. ولو كان الذي يكونُ غَرَضَ المتكلِّم يُعْلَم من اللفظِ، ما كان لِقولهم: "ضَرَبَ كذا مثلاً لكذا"، معنى، فما اللفظُ "يُضْرَبُ مَثَلاً" ولكنْ المعنى. فإِذا قلْنا في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكم وخضراءَ الدِّمن" ١، إنَّه ضَرَبَ عليه السلامُ "خضراءَ الدِّمن" مثلاً للمرأة الحَسّناء في مَنْبت السوء، لم يكن المعنى أنه صلى الله عليه وسلم ضرَب لَفْظَ "خضراءِ الدِّمن" مثلاً. لها. هذا ما لا يَظُنُّه مَنْ بهِ مَسٌّ، فضلاً عن العاقل.

٥٢١ - فقد زالَ الشكُّ وارتفعَ في أنَّ طريقَ العلْمِ بما يُراد إثباتُه والخُبر به في هذه الأجناس الثلاثةِ، التي هي "الكناية" و "الاستعارة" و "التمثيل" المعقولُ دونَ اللفظِ٢، من حيثُ يكونُ القصْدُ بالإثبات فيها إلى معنى ليس


١ هذا خبر مشهور، ولم يرد في شيء من دواوين السنة، ورواه الزامهرمزى بإسناده في "كتاب امثال الحديث" ١٢٦، من طريق: "أبي وجزة السعدي الشاعر "يزيد بن عبيد"، عن عطاء ابن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري".
٢ "المعقول" خير قوله: "أن طريق العلم".