للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأزرقي في أخبار مكة وغيره من العلماء. ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم. ويسمونها ذات أنواط. فقال بعض الناس: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: الله أكبر؛ إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم"١. فأنكر صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها معلقين عليها أسلحتهم، فكيف بما هو أطم من ذلك من الشرك بعينه ... إلى أن قال: فمن ذلك عدة أمكنة بدمشق، مثل مسجد يقال له مسجد الكف. فيه تمثال كف يقال إنه كف علي بن أبي طالب، حتى هدم الله ذلك الوثن. وهذه الأمكنة كثيرة موجودة في البلاد وفي الحجاز، منها مواضع. ثم ذكر كلاما طويلا في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند القبور. فقال: العلة لما يفضي إليه ذلك من الشرك، ذكر ذلك الشافعي وغيره وكذلك الأئمة من أصحاب مالك وأحمد كأبي بكر الأثرم، وعللوا بهذه العلة وقد قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} ٢ الآية.

ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم. ثم صورا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم. ذكر هذا البخاري في صحيحه وأهل التفسير كابن جرير وغيره. ومما يبين صحة هذه العلة أنه لعن من يتخذ قبور الأنبياء مساجد. ومعلوم أن قبور الأنبياء لا يكون ترابها نجسا. وقال عن نفسه: "اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد"٣، فعلم أن نهيه عن ذلك كنهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها سدا للذريعة، لئلا يصلي في هذه الساعة، وإن كان المصلي لا يصلي إلا لله، ولا يدعو إلا الله، لئلا يفضي ذلك إلى دعائها والصلاة لها. وكلا


١ الترمذي: الفتن (٢١٨٠) , وأحمد (٥/٢١٨) .
٢ سورة نوح آية: ٢٣.
٣ مالك: النداء للصلاة (٤١٦) .

<<  <   >  >>