وقال القرطبي:" {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} أي الوصف الأعلى"١.
فالله سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه أن له الوصف الأعلى والكمال المطلق من كل وجه، فيجب الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه وذلك بالاعتقاد الجازم بأن كل ما أخبر به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات هي صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لأن الله تعالى هو الذي أخبر بها عن نفسه ووصف بها نفسه، وهو سبحانه المستحق للكمال من جميع الوجوه، كما دلت على ذلك النصوص المتقدمة وغيرها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وصف سبحانه نفسه بأن له المثل الأعلى فقال تعالى: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النحل: ٦٠] ،، فجعل مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال للمشركين وأربابهم، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها له وحده، ولهذا كان له المثل الأعلى وهو أفعل التفضيل، أي أعلى من غيره ... والمثل الأعلى: هو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل كان أعلى من غيره، ولما كان الرب تعالى هو الأعلى ووجهه الأعلى وكلامه الأعلى وسمعه الأعلى وبصره وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان
١ تفسير القرطبي ١١٩١١٠، وقد ذكر القرطبي فائدة جليلة هي: "فإن قيل كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه وقد قال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} فالجواب أن قوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} أي الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص؟ أي فلا تضربوا له مثلا يقتضي نقصا وتشبيها بالخلق، والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير".