ومن شنيع كلامهم كذلك زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات، فهو عندهم لا يعرف عين موسى، ولا عيسى، ولا محمد عليهم الصلاة والسلام، فضلا عن الوقائع التي قصها القرآن وغيرها من أمور المخلوقات. وفساد هذا القول واضح جلي في النقل والعقل.
أما النقل فالله يقول:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاََّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام: ٥٩] ، وكذا العقل أيضا شاهد بفساد هذا المعتقد فكيف يجهل الله أمورا سيرها بأمره وأجراها بقدره وأخبر عنها في كتابه.
ومن شنيع قولهم ما قالوه في قدرة الله من أنه فاعل بالطبع لا بالاختيار لأن الفاعل بالطبع يتحد فعله، والفاعل بالاختيار يتنوع فعله، وما دروا أنهم بهذا جعلوا الإنسان الفاعل بالاختيارأكمل من الله الفاعل بالطبع على حد زعمهم.
وهذا القول مردود بقول الله:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار}[القصص: ٦٨] ، ومردود بالعقل لأن الله هو أكمل الفاعلين فكيف يشبه فعله بفعل الجماد.
فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.
"وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبي بزعمهم في نفسه من أشكال نورانية، هي العقول عندهم، وهي مجردات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبر شيئا، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تصف عند ربها، ولاتصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله