فلما جاءَ إسماعيلُ؛ قالَ: هل أتاكُم مِن أحدٍ؟ قالت: نعم؛ أتانا شيخٌ حَسَنُ الهيئةِ، وأثنَتْ عليه، فسألني عنك؟ فأخبرتُهُ، فسألني: كيف عَيْشُنا؟ فأخبرْتُهُ أنَّا بخيرٍ. قالَ: فأوصاكِ بشيءٍ؟ قالت: نعم؛ هو يقرأُ عليك السلامَ، ويأمُرُكَ أنْ تُثْبِتَ عتَبَةَ بابِكَ. قالَ: ذاكِ أبي، وأنتِ العَتَبَةُ، أمَرَني أنْ أُمْسِكَكِ. ثم لَبِثَ عنهُم ما شاء اللهُ، ثم جاءَ بعد ذلك، وإسماعيلُ يَبْري نَبْلاً (٢٣) لهُ تحتَ دَوْحَةٍ قريباً من زمزمَ، فلما رآهُ قامَ إليه، فصنعا كما يَصنَعُ الوالِدُ بالوَلَدِ، والولدُ بالوالِدِ، ثم قالَ: يا إسماعيلُ! إنَّ اللهَ أمَرَني بأمرٍ. قالَ: فاصْنَعْ ما أمَرَكَ ربُّكَ. قالَ: وتُعِينُني؟ (وفي روايةٍ: إنَّه قد أمرني أن تُعينَني عليهِ) قالَ: وأُعِينُكَ. قالَ: فإنَّ اللهَ أمَرَني أنْ أبْنيَ [له] ها هنا بيتاً، وأشارَ إلى أكَمَةٍ مرتَفِعَةٍ على ما حولَها.
قالَ: فعِنْدَ ذلك رَفَعا القواعِدَ مِن البيتِ، فجَعَلَ إسماعيلُ يأتي بالحجارَةِ، وإبراهيمُ يبني، حتى إذا ارتَفعَ البناءُ، [وضَعُفَ الشيخُ على نقلِ الحجارةِ]؛ جاء بهذا الحَجَرِ، فوضَعَهُ لهُ، فقامَ عليه وهو يبني، وإسماعيلُ يناوِلُهُ الحجارةَ، وهما يقولان:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. قالَ: فجعلا يَبْنِيانِ حتى يَدورا حولَ البيتِ، وهما يقولانِ:{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
١٤٣٣ - عن أبي ذَرٍّ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّلَ؟ قالَ:
"المسجدُ الحرامُ". قالَ: قلتُ: ثم أيُّ؟ قالَ:"المسجِدُ الأقصى". قلتُ: كم كانَ بينَهُما؟ قالَ:"أربعونَ سنةً". ثم [قالَ: ٤/ ١٣٦]
(٢٣) النبل: السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه، وهو السهم العربي.