للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جبل، فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل! ... إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة! وإن الحياة ما كانت لمتضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالاسماء للمسميات.

فأما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية، لانها لا ضرورة لها في وظيفتهم، ومن ثم لم توهب لهم، فلما علم علم الله آدم هذا السر، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الاسماء.

لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للاشياء والشخوص.

وجهروا أمام هذا العجز بتبيح ربهم،

والاعتراف بعجزهم، والاقرار بحدود علمهم، وهو ما علمهم " - فاللفظ عند البيضاوي ذو معنى يناسب عصره، يجمع بين التفسير والتأويل، ويقرر الادلة على أصول أهل السنة.

ودلالة ألفاظه تعكس ما كان يتسلح به مفسرو القرآن الكريم من قوة العقل، وسعة الافق والنظر، والمشاركة في مختلف العلوم من نحو وصرف وبلاغه ومنطق وجدل وفقه ورواية وفلسفة وطبيعيات، مع ما نجد من بعض التكلف والاغراب من نحو (سابقة اصطلاح ليتسلسل) (١) و (الاسم باعتبار الاشتقاق) ، أي بالمعنى اللغوي، ونحن لا نستعمل هذه اللفظة في هذا المعنى الان.

والجملة تميل إلى التفريع والاستطراد مع اتجاه فكرى ينزع إلى أساليب الفلاسفة، وإعلاء قضايا العقل من نحو (لا دراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيلات والموهومات) (٢) .

وله في استعمال الادوات، أقصد: الحروف وما هو في وظيفتها، نهج ونظم خاص، واستعمال غريب من استعمالنا اليوم، فعبارة البيضاوي (إما بخلق علم ضروري بها فيه) .

(إما، بها، فيه) - أي بما أودع الله سبحانه قلب آدم معرفة الاسماء، وفتق لسانه بها فكان يتكلم بتلك الاسماء كلها - قد جرت على نهج خاص لا نعرفه نحن اليوم.

أما النص الذي اخترناه لسيد قطب فهو يقدم لنا خصائص لغتنا المعاصرة، فأسلوبه مسترسل بأناقة يفيض بالطاقات، الشعورية والاحاسيس، وألفاظه ذات موسيقى جميلة، دون تكلف، أو لجوء إلى الحذف والتضمين.


(١) التسلسل: ترتيب أمور غير متناهية (تعريفات الجرجاني) .
(٢) المتخيلة: هي القوة التي تتصرف في الصور المحسوسة والمعاني الجزئية المتنزعة وتصرفها، أما الموهومات فهي قضايا يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة (كله عن تعريفات الجرجاني) .

<<  <   >  >>