للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هو مصلحة إلى مفسدة.

قال الشاطبي: "وقد يقع الترك لوجوه... ومنها: الترك للمطلوب خوفاً من حدوث مفسدة أعظم من مصلحة ذلك المطلوب كما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "لولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تُنكر قلوبهم أن أدخل الجدْر في البيت، وأن ألصِق بابه بالأرض". ١ فما منعه صلى الله عليه وسلم من إعادة بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم - عليه السلام - إلا خوف حدوث بلبلة بين العرب ومن أن يقولوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يهدم المقدّسات ويغيّر معالمها. ولهذا قال الشاطبي: "فقد حذر السلف من التلبس بما يجر إلى المفاسد وإن كان أصله مطلوباً" ٢ وقال: "إن قاعدة سد الذرائع إنما عمل السلف بها بناء على هذا المعنى...كإتمام عثمان - رضي الله عنه - الصلاة في حجه بالناس٣ وتسليم الصحابة له في عذره الذي اعتذر به من سد الذريعة" ٤ وقد قال لهم: "إني إمام الناس فينظر إليّ الأعراب وأهل البادية أصلي ركعتين، فيقولون: هكذا فرضت". ٥


١ رواه البخاري ٣/٤٣٩ بهذا اللفظ ومسلم ٩/٨٨، وروى نحوه النسائي ٥/٢١٥ وأحمد ٦/٥٧، ٢٣٩، وفي لفظ للبخاري ٣/٤٣٩: "لولا حداثة قومك لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام".
٢ الموافقات ٣/٥٢٩.
٣ إتمام عثمان - رضي الله عنه - ثابت في البخاري ٢/٥٦٣، ٥٦٩ و٣/٥٠٩ ومسلم ٥/٢٠٣ وأبي داود ٢/٤٩٢، ٤٩٣ والنسائي ٣/١٢٠ والدارمي ٢/٥٥ وأحمد ١/٤١٦، ٤٢٥، ٤٦٤.
٤ انظر الموافقات ٤/٥٩، ٦٠.
٥ رواه عبد الرزاق في المصنف ٢/٥١٨، ٥١٩ والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/٤٢٥ نحوه عن الزهري ورواه البيهقي في الكبرى ٣/١٤٤ من طريق عبد الرحمن بن حميد أن عثمان أتم بمنى ثم خطب.. وعن ابن جريج أن أعرابياً ناداه في منى: "يا أمير المؤمنين: ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين" قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٢/٥٧١: "ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام".

<<  <   >  >>