الصلاة عمداً كفرا فلا إشكال في حبوط العمل.
وأما الحديث الثاني: "الذي تفوته الصلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله", أي خسر ماله وأهله وبقي فرداً بلا أهل ولا مال، ومثل ذلك قوله تعالى في سورة (الزمر:١٥) : {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} , وكل فريضة حدّد وقتها يجب على المسلم أن يترك كل شغله يشغله عن أدائها, قال تعالى في سورة (الجمعة: ٩-١٠) : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} , فحرّم الله على المسلمين أن يشتغلوا بالبيع وغيره من أمور الدنيا بعد آذان الجمعة, وأوجب عليهم أن يسعوا إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة حتى إذا سلّم الإمام من صلاة الجمعة فقد أذن الله لهم أن يخرجوا من المسجد، وينتشروا في الأرض ليشتغلوا بأعمالهم التي تكفّل لهم رزقهم.
ومثل ذلك في قوله تعالى في سورة (المعارج: ١٦-٣٥) : {إِنَّ اْلإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً, إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً, وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً, إِلاّ الْمُصَلِّينَ, الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ, وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ, لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ, وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ, وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ, وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ, إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ, فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ, وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ, أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} .
أخبرنا الله سبحانه أن الإنسان - يعني جميع الناس - خُلق هلوعا، جعل من طبعه الهلع وهو الجزع وشدة الحرص, فتفسير {هَلُوعاً} هو ما بعده: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} : المرض والفقر وسائر المصائب {جَزُوعاً} : يائسا خاضعا منقطع الرجاء {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ} : وهو الغنى والصحة والقوة والنصر وسائر النعم, {مَنُوعاً} : بخيلا لا ينفع غيره بشيء.
ثم استثنى الله تعالى من الناس المجبولين على ذلك الطبع الخبيث المصلين، وأكد وصفهم بقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} أي محافظون على أوقاتها وشروطها وأركانها وآدابها، ووصفهم بصفات بدأها بالمحافظة على الصلاة، وختمها بالمحافظة على الصلاة, وذكر بينهما صفات:
أولاها: أنّ في أموالهم حقاً معلوماً للفقراء والمحتاجين, سواء أكانوا من الذين يظهرون فقرهم وحاجتهم ويسألون الناس, أم كانوا من المتعففين الذين يكتمون فقرهم, ولا يسألون الناس, وهم القسم المعبر عنه بالمحروم؛ لأن أكثر الناس يحرمونهم من الصدقة.
ثانيتهما: أنهم يصدّقون بيوم الدين, أي يؤمنون بيوم القيامة, وهو يوم الجزاء, ويجعلونه نصب أعينهم, فيبعثهم ذلك على مراقبة الله تعالى