للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

في شبهاتِ المعتزلةِ

قالوا: الأمرُ من الحكيم يقتضي حُسْنَ المأمورِ به، وأقلُ أحوالِ الحُسْنِ الحث عليه، والندبُ إليه، لأنَه لا يريدُ الإباحةَ في دارِ التكليفِ، وأعلى أحوالِه الوجوبُ، فلا يُحْملُ على ما زاد على أقل ما يقتضيهِ اللفظُ إلا بدلالةٍ، كإطلاقِ العددِ، والجمعُ يُحملُ على الأقل في الإقرارِ والأمرِ، ولا يحملُ على ما زادَ على الثلاثةِ إلا بدليلٍ.

قالوا: لو كانت هذه الصيغةُ يقتضي الإيجابَ، لَما حَسُنَ ورودُها من الابنِ لأبيه (١)، والعبدِ لسيِّده، والوضيعِ للشريفِ، أَلا ترى أنَ لفْظةَ: أوجبْتُ وفرضتُ، لمَّا اقتضت ذلك لم تحسن من هؤلاء لمن هو أعلى منهم، فلما حَسُن أَنْ يقولَ الأدْنى للأَعلى: افعل، عُلمِ أنها لا تقتضي الوجوبَ.

قالوا: قولُه لمن هو فوقَهُ: "افعلْ" يقتضي الإرادةَ دونَ الِإيجابِ، كذلك مَنْ هو دونَهُ، وجَبْ أنْ لا يقتضيَ إلا الإرادةَ دونَ الوجوبِ.

قالوا: ولأنَّ قولَه: "افعل"، وقولَه: "أريدُ أنْ تَفْعلَ" واحدٌ في المعنى الموضوع له، وهو استدعاء الفعل، وكل واحدٍ منهما يقتضي الإرادة، فإذا لم يقتض قوله: "أريد أن تفعل" إيجابَ الفعلِ عندكم، وجَبَ أنْ يكون: "افعل" مثلَهُ في عدمِ الإِيجاب.

قالوا: ما ذهبتُم إليه من القولِ بالِإيجاب، يُفْضي إلى أن تقتضي اللفظةُ الواحدةُ بمعنيين مختلفين: وجوبُ فعلِه والإثابةُ عليه، وتحريمُ تركهِ والعقوبةُ عليه، وليس لنا في اللغة ذلك.


(١) في الأصل "لابنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>