الواحد قبل تخصيصه لتساويهما في تقدُمهما على الآحادِ برتبةِ القطعِ في طريقهما، ورتبةِ الحُرمةِ في نطقهِما وتقدمهما على السنة.
فصل
في شُبهة المخالف (١)
قال عيسى بنُ أبان: إذا دخَله التخصيصُ صارَ مجازاً، فَقُبِلَ وأثر خبرُ الواحدِ في تخصيصهِ، كما قُبِلَ في بيانِ المجمَلِ، وإذا لم يدخلْهُ التخصيصُ بقيَ على حقيقته فلم يجز تخصيصُه بخبرِ الواحدِ.
فيقالُ: لا نُسلّمُ أنَّه صارَ مجازاً، فلا نبني خلافاً على خلافٍ، فأمَّا المجملُ، فإنَّه لا يعقلُ معناهُ من لفظِه، ولا المرادُ به بنفسِه، والعمومُ قبلَ التخصيصِ وبعدَه مفهومُ المعنى، معقولٌ منه المرادُ، وامتثالُه ممكنٌ، واللفظُ متناوِل لما يبقى بعدَ تخصيصِه، فكانَ حكمُه حكمَ ما لم يُخصَّ.
شبهةٌ ثانيةٌ: الباقي على عمومِه من غيرِ اتفاقٍ على خصوصِه مقطوعٌ على ما تضمنه من المسمّيات؛ لأنَّ صاحبَ الشريعة لو خصَّصَه لذكرَه معه، ولو ذكرهُ لنُقلَ، فلما لم يُنقلْ بقيَ على القطعِ بتناوله كلَّ مسمىً دخل تحتَه.
فيقال: لا نسلِّمُ أنه تناولَ الأسماءَ قطعاً، بل ظاهراً متردّداً، لكنَّه إلى الاستغراقِ أقربُ، ومنه أظهرُ, وهو مهيأٌ لورودِ التخصيصِ عليه، بدليلِ أنَ قرآناً مثله يخصُّه، وتخصيصُه بالقرآنِ بيانٌ لا نسخٌ، ولو كان قطعاً لكان ما يرد من القرآنِ نسخاً، والخصوصُ الواردُ بخبرِ الواحدِ لفظٌ صريح في الحكمِ، والأخذُ به جمعٌ بين الدليلينِ،
(١) وهي الأدلةُ التي يستند إليها الحنفية في منعهم تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، يُرجع إليها مفصَّلة في "الفصول في الأُصول" للجصَّاص ١/ ١٥٥ - ١٦٣ و"أصول السرخسي" ١/ ١٤٢ - ١٤٣، و"كشف الأصار"١/ ١٦٣ - ١٦٦.