كالمتَّصلِ، فإذا قال: اقتلوا المشركينَ، ولا تقتلوا أهلَ الكتابِ إذا دفعوا الجزية. وجبَ أن لا يعطل الخصوصُ، كذلك إذا فرَّق بينهما.
ومنها: أنَّ مخالفنا قد جوَّز تخصيصَ العام بالقياسِ، وما ذلكَ إلا لأنَّ القياسَ يقتضي الحكمَ بخصوصِه، والقياسُ فرعٌ من الخبرِ يستنبطُ منه، فَلأنْ يجوزَ التخصيصُ بالخبرِ الخاصِّ أولى.
ومنها: أنَّه دليلٌ عامٌّ قابلَه دليلٌ خاصٌّ، وليسَ في تخصيصِه إبطالٌ له، كخبرِ الواحدِ إذا وردَ مخالفاً لدليلِ العقلِ، فإنَّه يخصُّ بدليلِ العقلِ؛ لأنَّ الخاصَّ أقوى من العامِّ، كذلكَ ها هنا.
فصل
في شُبَههم
فمنها: أنْ قالوا: ليسَ الخاصُّ فيما تناولَه بأولي ممَّا عارضَه من العامِّ، فوجَبَ التوقفُ فيه.
فيقالُ: كلا، بل الخاصُ فيما تناوَله أولى من العامِّ؛ لأنَّ الخاص يقتضى الحكمَ بصريحِه على وجهٍ لا احتمالَ فيه، والعامّ يتناولُه بظاهرِه وعمومِه على وجهٍ يحتمل أن يكونَ المرادُ به غيرَ ظاهرِه، فوجبَ تقديمُ الأرجحِ منهما، وهذا دأبُ المستدلِّين في الأدلة، يقدِّمونَ الأظهرَ فالأظهر ولهذا قُدمَ دليلُ العقلِ على عمومِ خبرِ الواحدِ، ولأنَّ فيما قلناه استعمالَ الدليلين والعملَ بهما، وفيما قَاله الخصمُ إسقاطُ أحدِهما، فكانَ العملُ أولى من التعطيلِ (١).
ومنها: أنْ قالوا: إذا كانَ العمومُ متقدماً والخصوصُ متأخِراً، فإنَّما قلنا: يكونُ ناسِخاً لبعضِه؛ لأن بيانَ العمومِ لا يجوزُ تأخيرُه عن حالِ وروده، فاذا وردَ متأخِراً