للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أخْذُ حُكْمِ أَحَدِ المكلَّفِينَ من حكمِ الآخر قبل العلم بالدليل بتسويةِ ما بَيْنَهما.

فأمّا قولُهم: إنَّ نفيَ الوجوبِ يُنتج تركَ اتباعِه، وذلكَ يؤدي إلى التنفيرِ عنه، واطِّراحِ حرمته، والإغراءِ بالميل عنه، وتسهيلِ مخالفتهِ، فليسَ بشيء، لأن الذي يُنَفِّرُ عنه مخالفةُ أمره، وتركُ الانقيادِ لما دعا إليه، أو الانخراطُ فيما نهى عنه، فأمَّا تركنا أنْ نَفْعلَ مثل فعلِه، فليس ذلكَ مما يُنَفِّرُ عنه، ولا يَظْهَر لأحدٍ أنَّه إنما فعلَ لنفْعَل، بل العقلاءُ كلهم يعلمون أنَّ الفاعلَ إنما يفعلُ لمعنى يَخُصُّه، كما أنَّه لا يكونُ فعلُنا للتعبدِ حالَ تركهِ استراحةً (١)، وصومُنا حالَ فطرِه، تنفيراً عنه، ولا ميلاً عن اتَباعه، ولأنَّه لو كانَ ذلك مُنفِّراً، لكانَ تركُنا لما خُصَّ به من الفروضِ والمندوباتِ تنفيراً عنه، ولو كان ذلك واجباً من طريقِ العقل، لبقي التنفير عنه، [و] لوَجَبَ أن يُنْفى عَنْه السَّهوُ والخطأ، والنسيانُ والغَفلةُ، والاستهتارُ (٢) بالنساءِ، وتزويجُه، وخصومتُه لهنَّ، وتغايرُهن عليه، فإنَّهم نفروا مما دونَه، دونه قالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٧]، ومالوا إلى إنزالِ ملَك [لا] يَغْمِسُه البارىء في الطبع الإنساني، بلهجه بالتزويج، وإباحة هبةِ النساءِ نفوسَهن له، وجعلِه (٣) له أن يَصْطَفي من المَغْنمِ ما يشاءُ حتى النساءَ، ومعلومٌ أنَّ هذا من أعظمِ ما يُنَفِّر عنه، وإنَّما أفرطت أمَّةُ عيسى فيه حتى قالت: إنه إله، للامتناعِ من هذا الشأنِ، فكانَ ذلكَ تنفيراً (٤) عن الإذعانِ بالرسالةِ، ودعوى الربوبيةِ،


(١) في الأصل: "استراحته".
(٢) الاستهتار بالشيء: محبته والولوع به.
(٣) في الأصل: "جعل".
(٤) في الأصل: "تنفير".

<<  <  ج: ص:  >  >>