للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ جدلٍ يقعُ فيه ظلمُ الخصمِ فإنه يَختلُّ بحَسَب قُوَةِ ذلك وضعفِه، وذلك أن ظلمَ الخصمِ يكسرُ من نفسه، أوَ يُزيلُه عن طريقته، فينبغي أن يُحتَرَزَ منه؛ إذ كان انكسارُ النَّفسِ يُميتُ الخاطرَ، ويقطعُ عن بلوغ الآخِرِ، والزوالُ عن الطريقِ يُخرِجُ عن الاعتمادِ، ومن عُرِفَ من عادته ظلمُ خصمهِ فليس ينبغي أن يُكلمَ إلا أن يرجعَ إلى الإِنصاف، أو يَدْفَعَ إلى ذلك حالٌ، فيُحترَزَ منه غايةَ الاحْتراز.

وأدبُ الجدلِ: استعمالُ ما يَحسُنُ فيه:

أما في السؤال والجواب: فبضَبْطِ حدودِ كلِّ واحدٍ منهما، وتَبينِ وجوهِه، ولزومِ سُنَتِه، وقد مضى ذلك في أبوابِه.

وأما في معاملة الخصم: فبالتَوفِيَةِ لحقَه، والتجنُّب لظُلمهِ، ولا بُدَّ في ذلك من علم الأبوابِ التي تَقدَمَتْ، وما يجبُ استَعمالُه فيها، وما لايَحسُنُ مما يَحسُنُ.

وآدابُ الجدلِ تُزينُ صاحبَها، وتركُ الأدبِ يَشينُه، وليس ينبغي أن يَنظُرَ إلى ما يَتَفقُ لبعضِ من تركَه من الحُظْوةِ في الدنيا، فإنه إن كان رفيعاً عند الجُهَّالِ، فإنه ساقطٌ عند ذوي الألبابِ.

وبكلِّ (١) حالٍ فإنه لا يصلُح الاستبقاءُ على الخصمِ إذا ابتدأَ بما يَتموَّهُ أنه سؤالٌ أو جوابٌ، وأما إن أتى بما لا يَتموَّهُ مثلُه، فليس على خصمه استماعُه، وذلك إذا أخذَ في السبابِ وما جَرَى مَجْرى ذلك من التخليطِ الذي لا يُشْكِل على عاقلٍ أنه ليس من السؤال والجواب في شيء، ومثلُه في ذلك مثلُ مَنِ ابتدأَ في إنشادِ الشَعرِ على طريق الاستشهادِ، وابتدأَ


(١) في الأصل: (وكل).

<<  <  ج: ص:  >  >>