للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

بخلق المعجزات، وإظهارها عليهم، فيكون من أسماء الأفعال: وقيل: معناه أنه الذي آمن البرية بخلق أسباب الأمان، وسد أبواب المخأوف، وإفادة آلات يدفع بها المضار، فيكون أيضًا من أسماء الأفعال. وقيل: معناه أنه يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر، إما بقول مثل {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}، أو بخلق الأمن والطمإنينة فيهم، فيرجع إلي الكلام، أو الخلق.

ووظيفة العارف منه: أن يصدق الحق، ويسعى في تقريره، ويكف نفسه عن الإضرار، والحيف، ويكون بحيث يأمن الناس بوائقه، ويعتضدون به في دفع المخأوف، ورفع المفاسد في أمور الدين والدنيا. قال الشيخ أبو القاسم: إذا كان أحد معانى اسمة أنه يؤمن عباده ويجيرهم، فاعلم: أن إجارته وإيمأنه للعبد علي قسمين: مؤجل، ومعجل، فالمؤجل في القيامة والجنة، قال الله تعالي: {أولئك لهم الأمن}، والمعجل علي أقسام، لكل بحسب ما يليق بوقته، فمنهم من يؤمنه من خواطر الشيطان الذي يقدح في الإيمان بما يظهر في قلوبهم من أوضح البرهان، ويلوح لأسرارهم من لائح البيان، حتى إذا عارضهم نوازع الشكوك، أو ناظرهم من هو في حكم المخالف في العقد، غيروا في وجه شبهتهم، ودمروا بالحجج علي أصحاب البدعة، والناس في أسر التهمة، والكرب، والغمة، وامتداد الظلمة، وهم في برد اليقين، وروح الحق المبين. وفي معناه أنشد:

ليلي من وجهك شمس الضحى وإنما الظلمة في الجو

والناس في ظلمة من ليلهم ونحن من وجهك في الضو

وكان الشيخ أبو علي الدقاق كثيًرا ما ينشد:

إن شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليست تغيب

وأنشد بعضهم:

هي الشمس إلا ان للشمس غيبة وهذا الذي نعنيه ليس يغيب

ومنهم من يؤمنه من هواجس النفوس ودواعى الزلات، حتى لا تدعوه نفسه إلي ارتكاب محظور. يحكى عن أبي زيد أنه قال: كنت هممت أن أدعو الله سبحأنه ليكفيني شهوات النفس. قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل ذلك، فتركت الدعاء، فمن بركة اتباع هذه السنة، كفانى الله سبحأنه شهوات نفسى حتى لا أميز بين امرأة وجدار. ومنهم من يؤمنه خوف النقر ورعب الضر، حتى يكون فارغ القلب، ساكن السر، يثق بموعود ربه كما يثق أرباب الغفلة بمعلوم النفس، فخوف النقر قرينة الكفر، وحسن الثقة بالرب نتيجة الإيمان. سأل رجل أبا زيد

<<  <  ج: ص:  >  >>