((أشعرت يا عائشة! أن الله قد أفتاني فيما استفتيته، جاءني رجلان، جلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب: قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: في ماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذوران)) فذهب النبي
ــ
وقيل: إنه يتخيل إليه ما يخيل ولكن لم يعتقد صحته وكانت معتقداته على السداد والصحة.
وقيل: ((ليخيل إليه)) أي يظهر له من نشاطه أنه قادر على إتيان النساء فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يتمكن من ذلك.
وكل ما جاء من أنه تخيل شيئاً لم يفعله فمحمول على التخييل بالبصر لا بالعقل وليس فيه ما يطعن في الرسالة.
مظ: وأما ما زعموا من دخول الضرر على الشرع بإثباته فليس كذلك، لأن السحر إنما يعمل في أبدانهم وهم بشر يجوز عليهم من العلل والأمراض ما يجوز على غيرهم، وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل وتأثير السم وعوارض الأسقام فيهم، وقد قتل زكريا وابنه، وسم نبينا صلى الله عليه وسلم بخيبر، وأما أمر الدين فإنهم معصومون فيما بعثهم الله عز وجل وأرصدهم له، وهو جل ذكره حافظ لدينه وحارس لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل.
فإن قيل: كلام النبوة يمنع من حلول الاختلال بالسحر بجسم النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلنا: لا يطول ذلك بل يزول سريعاً فكأنه ما حل، وفائدة الحلول تنبيه على أن هذا بشر مثلكم، وعلى أن السحر تأثيره حق إذا أثر في أكمل الإنسان فكيف بغيره؟
قوله: ((دعا الله ودعاه)) أي عقب دعاء بدعاء واستمر عليه، يدل على هذا التأويل الرواية الأخرى: ((ثم دعا ثم دعا)).
مح: هذا دليل على استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهة وتكريره وحسن الالتجاء إليه تعالى.
و ((المضبوب)) المسحور، يقال: طب الرجل إذا سحر، فكنوا بالطب عن السحر، كما كنوا بالسليم عن اللديغ.
وقال ابن الأنباري: الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء: طب، وللسحر: طب، وهو من أعظم الأدواء.
و ((المشاطة)) بضم الميم الشعر الذي يسقط من الرأس واللحية عند تسريحه بالمشط.
و ((الجب)) بضم الجيم والباء هكذا هو في أكثر نسخ بلادنا، وفي بعضها: ((جف)) بالفاء وهما بمعنى، وهو وعاء طلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا أضاف في الحديث ((طلعة)) إلى ذكر إضافة بيان.