للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ــ

٢٨_ وعن عمرو بن العاص، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: ابسط يمينك

فلأبايعك، فبسط يمينه، فقبضتُ يدي، فقال: (مالك يا عمرو؟) قلت: أردتُ أن

أشترط. فقال: (تشترطُ ماذا؟) قلت: أن يغفر لي. قال (أما علمت يا عمرو! أن

الإسلام يهدم ما كان قلبه، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدمُ ما كان

ــ

استحقاقه العذاب بموجب أعماله من الكبائر، أي حال هذا مخالفة للقياس في دخول الجنة، فإن

القياس يقتضى أن لا يدخل الجنة من شأنه هذا، كما زعمت المعتزلة، وإلى هذا المعنى ذهب أبو

ذر في قوله: (وإن زنى وإن سرق؟) ورد بقوله: (وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر).

الحديث الخامس والعشرون عن عمرو: (فلأبايعك) لعل التقدير: فأن أبايعك، وأقحم

اللام توكيداً، أو التقدير: لأبايعك تعليلا للأمر، والفاء مقحمة. ويحتمل أن تكون مفتوحة،

فيكون التقدير: فإني لأبايعك وأقحم اللام توكيداً، أو التقدير: لأبايعك تعليلا للأمر، الفاء

مقحمة. ويحتمل أن تكون مفتوحة، فيكون التقدير: فإني لأبايعك، والفاء للجزاء، كقولك:

إيتنى فإني أكرمك. (خط): وحق (ماذا) أن يتقدم على (تشترط)، إلا أنه حذف (ماذا)

قبل (تشترط) وجعل المذكور تفسيراً له.

وقال المالكي في قول عائشة (رضي الله عنها): أقول: (ماذا) شاهد على أن (ما) الاستفهامية إذا

ركب مع (ذا) تفارق وجوب التصدير، فيعمل فيها ما قبلها رفعا ونصبا، فالرفع كقولهم: كان

ماذا والنصب كما في الحديث، وأجاز بعض العلماء وقوعها تمييزا، كقولك لمن قال: (عندي

عشرون) عشرون: ماذا؟ أقول: كأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستحسن منه الاشتراط في الإيمان، فقال: (أتشترط)

إنكارا، فحذف الهمزة، ثم ابتدأ فقال: (ماذا)، أي ماذا تشترط، ونظيره في إعادة المجيب كلام

السائل: قول إخوة يوسف: (جزاؤه من وجد فيرحله) بعد سؤال القوم: (فما جزاؤه).

(تو): الإسلام يهدم ما كان قبله مطلقا، مظلمة كانت أو غير مظلمة، كبيرة كانت أو

صغيرة، فأما الهجرة والحج فإنهما لا يكفران المظالم، ولا يقطع فيهما أيضا بغفران الكبائر التي

بين الله وبين العباد، فيحمل الحديث على أن الحج والهجرة يهدمان ما كان قبلهما من الصغائر،

ويحتمل أنهم يهدمان الكبائر أيضا فيما لا يتعلق به حقوق العباد بشرط التوبة، عرفنا ذلك من

أصول الدين، فرددنا المجمل إلى المفصل، وعليه اتفاق الشارحين.

وأقول: نحن ما ننكر ما اتفق عليه الشارحون، لكن نتكلم في الحديث بحسب ما تقتضيه

البلاغة، وذلك أن فيه وجوها من التوكيد يدل على أن حكم الهجرة والحج حكم الإسلام:

أحدهما أنه من الأسلوب الحكيم، فإن غرض عمرو من إبائه عن المبايعة ما كان إلا حكم

<<  <  ج: ص:  >  >>