للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا إذا علم بوجود الناسخ. وأبو حنيفة لا يقول بإجزاء الغسل من الولوغ مرة، بل هو يوجب غسل الإناء ثلاثًا.

ومن المهم أن نذكر هنا أن الإمام مالكًا قَدْ ضَعَّفَ «حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا»، وذهب إلى طهارة سؤر الكلب، لأن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤]، فإذا أكل صيده فكيف يكره لعابه (١)؟

وبهذا يتبين أن أبا حنيفة قد أخذ ببعض هذا الحديث وترك بعضه، أخذ منه نجاسة سؤر الكلب، ووجوب تطهير ما أصابه لعابه، وهذا القدر من الحديث لا معارض له، أما تحديد مرات الغسل بسبع والتعفير بالتراب فلم يأخذ به أبو حنيفة لوجود ما يعارضه، وهو عمل الراوي بخلاف ما رواه، حيث يعتبر هذه المخالفة طعنًا في الحديث أو دليلاً على النسخ.

٩ - تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ:

وبسنده أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ , ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ». وعن عثمان مثل ذلك، كما روى أن ابن عباس خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وكذلك أنس، وابن عمر،

- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ».

ضَعَّفَ الأحناف كل الآثار الواردة في تخليل اللحية. وتخليلها مستحب عند أبي حنيفة، سنة عند أبي يوسف (٢). وقد ذكرنا هذه المسألة في أمثلة اتجاه المحدثين إلى الظاهر، وحيث إن الروايات فيها ضعيفة فمخالفتها ليس


(١) انظر " شرح معاني الآثار ": ١/ ١٢، ١٥؛ و" فتح القدير ": ١/ ٧٥؛ و" ابن العربي على الترمذي ": ١/ ٣٥، [٣٦]؛ و" بداية المجتهد ": ١/ ٢٢، ٢٤.
(٢) " فتح القدير ": ١/ ١٩، ٢٠.

<<  <   >  >>