للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِأَرْضِ فَلَاةٍ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» (١).

وهذ الخلاف لا وجود له في ظل الدستور الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لأن من قواعد النظام الديمقراطي، قاعدة دستورية القوانين، ومن مقتضاها عدم جواز إصدار قانون يخالف الدستور، وعدم جواز إصدار لائحة أو قرار يخالف القانون، ولا يخفى على أولي الفقه والرأي أن كل أمة وكل شعب يضع لنفسه مقومات أساسية، ليتضمنها دستور هذه الأمة الذي يلتزم به النواب والحكام والقضاة، فلا يجوز إصدار ما يخالفه، ولهذا فالدول التي اختارت الماركسية مذهبًا اجتماعيًا يحظر دستورها إصدار قانون يخالف هذا المذهب. والدول التي اختارت المذهب الرأسمالي، يتضمن دستورها نَصًّا يحظر قوانين تخالف هذا المذهب أي تغير المجتمع ليصبح شيوعيًا.

وعلى هذا الأساس فاختيار الديمقراطية في المجتمع الإسلامي يكون مسبوقًا بدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويحدد حقوق الأمة وحقوق الحاكم وواجباته بما لا يخرج عن القواعد المجمع عليها بين فقهاء المسلمين، ومن بينها أن المال في الإسلام وظيفة اجتماعية فليس لأصحابه الحق المخول لنظرائهم في النظم الرأسمالية ولهذا فرض الإسلام الزكاة وحرم الاحتكار، وحمى حقوق الفقراء والمستضعفين في المال العام، وهذا ما عبر عنه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «لاَ حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»، كما جعل الإسلام في المال حقوقًا أخرى غير الزكاة حسبما فصله الفقهاء المسلمون.

ومن هذه القواعد أن تطبيق الإسلام لا يبدأ بالحدود وإنما يسبقه توفير المأكل والملبس والمسكن للمواطنين، وتوفير سبل تكوين الأسرة، ولهذا لم يقم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بإقامة الحد على اثنين من العمال سرقَا من مال مخدومهما لأنه لم يوفر لهما سبل العيش مما اضطرهما للسرقة.

وأمير المؤمنين لم يوقف حد السرقة كما يفهم البعض خطأ، بل طبق الشروط والموانع الشرعية وبالتالي إعمالاً لهذه الموانع لم يطبع الحد على هؤلاء.

الأُمَّةُ الإِسْلاَمِيَّةِ وَمَصْدَرُ السُّلُطَاتِ:

إذا كان النظام الديمقراطي قد نتج عنه أن تكون الأمة هي مصدر السلطات، فإن تطبيق ذلك في مجتمع أغلبيته إسلامية لا يعني أن يصدر مجلس الأمة تشريعات تخالف


(١) " سنن أبي داود "، الحديث ٢٦٠٨، ٢٦٠٩.

<<  <   >  >>