للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلك يفضحون جهلهم بالإسلام وغربتهم عنه أولاً. وثانيًا يفضحون مقدار عمالتهم الفكرية حيث يريدون تطبيق المفاهيم اليهودية أو المسيحية على الإسلام.

الإِسْلَامُ وَالحَقُّ الإِلَهِيُّ المُقَدَّسُ:

إن الاعتقاد بألوهية الحاكم نشأ في المجتمعات البدائية كما هو معلوم في التاريخ. فكان فرعون يستدل على ألوهيته في الحكم بقوله: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (١)، وبقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (٢). ولكن بعد غرق فرعون مصر على نبي الله موسى زالت فكرة ألوهية الحاكم، ولكن عادت هذه من جديد بعد عصر (بولس الرسول)، فكانت صكوك الغفران والحرمان التي مارسها البابوات على الشعب، وعلى الحاكم، حيث جعلت سلطة الحاكم مستمدة من الله مباشرة، وهذا عرف باسم الحق الإلهي المباشر الذي جعل البابا (ليون الثالث عشر) يقرر أن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرة.

وبعد صراع بين الكنيسة والإمبراطور تطور هذا المفهوم فقالت الكنيسة بنظرية الحق الإلهي غير المباشر، ومقتضاه أن السلطة ممنوحة للحاكم عن طريق الشعب ولكن بتوجيه من الإرادة الإلهية غير المباشرة التي وجهت الشعب لاختيار الحاكم.

ثم تطور هذا نتيجة إصرار الأباطرة على أنهم يستمدون سلطتهم من الله، ولا يمكن أن يكونوا مسؤولين أمام الشعب، وقد أدى هذا الانحراف إلى ردود فعل كبيرة، منها نظرية العقد الاجتماعي التي نادى بها (جان جاك روسو) و (توماس هوبز)، ومؤداها: أن السلطة السياسية جاءت نتيجة عقد واتفاق بين الحاكم والشعب ينوب فيه الحاكم عن الشعب ولقد كان مفهوم العقد الاجتماعي عند (لوك) أكثر تقييدًا لسلطة الحاكم إذ يشير إلى أن العقد بينهما يتضمن التزامًا على الحاكم بعدم المساس بالحقوق الطبيعية للإنسان.

ولقد كان رد الفعل في أوروبا هو الديمقراطية، ومؤداها أن الشعب هو الذي يختار السلطة الحاكمة فإذا استمدت سلطتها من غير الشعب كانت سلطة غير شرعية، وهذه الديمقراطية تخول الشعب عن طريق من يمثلونه في البرلمان أن يضع ما يشاء من التشريعات.


(١) [الزخرف: ٥١].
(٢) [القصص: ٣٨].

<<  <   >  >>