للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (١).

إلا أن أعداء الإسلام شرقًا وغربًا من جهلة أبناء المسلمين، مازالوا يصفون الإسلام بالرجعية أو باليمين الرجعي، وهو وغيرهم لا يجهلون أن الله تعالى حذر القاعدين عن الجهاد في سبيل الله ومن استكانوا أمام الكفر والظلم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (٢).

إن الدنيا كلها لا تنكر هذا ولا تستطيع أن تتجاهل هذه الآيات البينات، كما أنها لا تنكر أن أول حكومة بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاتلت الأغنياء انتصارًا للفقراء. فقال أبو بكر الصديق قولته المشهورة: «وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَقَالاً، كَانُوا يُؤَدُّونَهُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، مَا اسْتَمْسَكَ السَّيْفُ فِي يَدِي».

ومع هذا فما زال يظهر بيننا من يزعم صراحة أو ضمنًا أن العودة إلى الإسلام هي عودة إلى الرجعية وإلى الوراء؛ لأنه عودة إلى تشريعات صدرت منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان، وهؤلاء جاهلون أو متجاهلون أو مغرضون.

جَاهِلِيَّةُ القَرْنِ العِشْرِينَ وَلُعْبَةُ المُضَلِّلِينَ:

إن الذين يزعمون أن العودة إلى الإسلام هي عودة إلى الرجعية؛ لأنها عودة إلى أنماط من السلوك مضت عليها قرون .. طالت أم قصرت ... هؤلاء ضحايا الجاهلية الحديثة، وقد أصبحوا أداة للمضللين ولعبة بأيديهم.

فالإسلام ما جاء ليحكم الصناعة والمعمار ووسائل الحياة المادية، إنما أكد أنه يترك هذه الأمور تتغير مع الحياة المتجددة، فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ».

إنما ينصب حكم الإسلام وتشريعاته على القيم الأخلاقية وهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فالكذب رذيلة منذ خلق اللهُ آدمَ، وسيظل رذيلة إلى أن تقوم الساعة.

إنما ينصب حكم الإسلام


(١) [النساء: ٧٥].
(٢) [النساء: ٩٧].

<<  <   >  >>