يزيد: فقلت: والله لا أدعه أبدا، قال: فوثب مغضبا، قال: فلقيته بعد ذلك في مفازة فرد فسلمت عليه وقلت له: كيف أنت؟ فقال: بخير ما لم أرك، وقال الدراوردي: توفي عكرمة وكثير عزة في يوم واحد، فعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به رأي الخوارج يكفر بالذنب، وكثير شيعي مؤمن بالرجعة إلى الدنيا.
وأما الوجه الثالث فقال أبو طالب: قلت لأحمد: ما كان شأن عكرمة؟ قال: كان ابن سيرين لا يرضاه، قال: كان يرى رأي الخوارج، وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم، ولم يترك موضعا إلا خرج إليه، وقال عبد العزيز بن أبي رواد: رأيت عكرمة بنيسابور فقلت له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان، قال: جئت أسعى على عيالي، وقال أبو نعيم: قدم على الوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم، هذا جميع ما قيل فيه من القدح.
فأما الوجه الأول، فقول ابن عمر لم يثبت عنه؛ لأنه من رواية أبي خلف الجزار عن يحيى البكاء، أنه سمع ابن عمر يقول ذلك، ويحيى البكاء متروك الحديث. قال ابن حبان: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح. وقال ابن جرير: إن ثبت هذا عن ابن عمر فهو محتمل لأوجه كثيرة، لا يتعين منه القدح في جميع روايته، فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذبه فيها.
قلت: وهو احتمال صحيح؛ لأنه روي عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف، ثم استدل ابن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات عن سالم بن عبد الله بن عمر، أنه قال إذ قيل له: إن نافعا مولى ابن عمر حدث عن ابن عمر في مسألة الإتيان في المحل المكروه: كذب العبد على أبي. قال ابن جرير: ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحا، فينبغي أن لا يروا ذلك من ابن عمر في عكرمة جرحا، وقال ابن حبان: أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ، ذكر هذا في ترجمة برد من كتاب الثقات، ويؤيد ذلك إطلاق عبادة بن الصامت قوله: كذب أبو محمد، لما أخبر أنه يقول: الوتر واجب، فإن أبا محمد لم يقله رواية، وإنما قاله اجتهادا، والمجتهد لا يقال: إنه كذب، إنما يقال: إنه أخطأ، وذكر ابن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة. وأما قول سعيد بن المسيب، فقال ابن جرير: ليس ببعيد أن يكون الذي حكي عنه نظير الذي حكي عن ابن عمر.
قلت: وهو كما قال، فقد تبين ذلك من حكاية عطاء الخراساني عنه في تزويج النبي ﷺ بميمونة، ولقد ظلم عكرمة في ذلك؛ فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة، أنه كان يقول: إن النبي ﷺ تزوجها وهو محرم، ونظير ذلك ما تقدم عن عطاء، وسعيد بن جبير، ويقوي صحة ما حكاه ابن حبان أنهم يطلقون الكذب في موضع الخطأ ما سيأتي عن هؤلاء من الثناء عليه والتعظيم له، فإنه دال على أن طعنهم عليه إنما هو في هذه المواضع المخصوصة، وكذلك قول ابن سيرين الظاهر أنه طعن عليه من حيث الرأي، وإلا فقد، قال خالد الحذاء: كل ما، قال محمد بن سيرين ثبت عن ابن عباس، فإنما أخذه عن عكرمة، وكان لا يسميه؛ لأنه لم يكن يرضاه، وأما رواية يزيد بن أبي زياد، عن علي بن عبد الله بن عباس في تكذيبه، فقد ردها أبو حاتم بن حبان بضعف يزيد، وقال: إن يزيد لا يحتج بنقله، وهو كما، قال،
وأما ما روى عن يحيى بن سعيد في ذلك فالظاهر أنه قلد فيه سعيد بن المسيب، وأما قصة القاسم بن محمد فقد بين سببها وليس بقادح؛ لأنه لا مانع أن يكون عند المتبحر في العلم في المسألة القولان والثلاثة، فيخبر بما يستحضر منها، ويؤيد ذلك ما رواه ابن هبيرة، قال: قدم علينا عكرمة مصر، فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من الصحابة، ثم يحدثنا بذلك الحديث عن غيره، فأتينا إسماعيل بن عبيد الأنصاري، وكان قد سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم، فأتاه فسأله عن أشياء كان سمعها من ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع، قال: ثم أتيناه فسألناه، فقال: الرجل صدوق، ولكنه سمع من العلم فأكثر، فكلما سنح له طريق سلكه.
وقال أبو الأسود: كان عكرمة قليل العقل، وكان قد سمع الحديث من