للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإن لم يتفق ذلك إلا مع طائفة وفتنة وحرب فيجب القيام بذلك على الكافر. ولا يجب على المبتدع إذا لم يتخيلوا القدرة عليه، ويجب فى المبتدع إذا تخيلوا القدرة عليه، فإن حققوا العجز عنه فلا يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه. وقد يحتج فى المبتدع بقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان "، فهذا يظهر أنه فيما لا تأويل فيه.

وكذلك لا تنعقد ابتداء للفاسق بغير تأويل، وهل يخرج منها بموافقة المعاصى. ذهب بعضهم إلى ذلك، وأنه يجب خلعه، فإن لم يقدر عليه إلا بفتنة وحرب لم يجز القيام عليه، ووجب الصبر عليه؛ لأن ما تؤدى الفتنة إليه أشد، وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه، وترك طاعته فيما لا تجب فيه طاعته؛ للأحاديث الواردة فى ذلك من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، ما أقاموا الصلاة "، وقوله: " صلِّ خلف كل بر وفاجر " (١)، وقوله: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، وقوله: " وألا ننازع الأمر أهله "، وأن حدوث الفسق لا يوجب خلعه. وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد فى هذه المسألة الإجماع.

وقد رد عليه بعضهم هذا القيام لحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بنى أمية، وجماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث (٢)، وتأولوا قوله: " وألا ننازع الأمر أهله " فى أئمة العدل وأهل الحق، وقيل: بل هذا مخاطبة للأنصار ألا ينازعوا قريشاً الخلافة.

وحجة الآخرين أن قيامهم على الحجاج ليس لمجرد الفسق، بل لما غير من الشرع وظاهر الكفر لبيعة الأحرار، وتفضيله الخليفة على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله المشهور المنكر فى ذلك. وقيل: نجل كان فى هذا الخلاف أولاً ثم وقع الاتفاق بعد على ترك القيام.

ومعنى قوله: " بايعنا ": هى من بيعة الأمراء. واختلف فى أصل اشتقاقها، فقيل: أصله من البيع؛ لأن المتبايعين يمد كل واحد منهما يده إلى صاحبه لسببه (٣)، ولما كان الأمراء عند التوثيق بمن يأخذون عليه العهد يأخذون بيده، ثسبه بذلك فسميت مبايعة، وقيل: بل كانوا يضربون بأيدى بعضهم على بعض عند التبايع؛ ولهذا سميت صفقة لصفق الأيدى عندها، فسميت بها، وقيل: بل سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة، تشبهاً بالبيع أيضاً؛ لما وعدهم من الجزاء والثواب على الإسلام وطاعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال


(١) أبو داود، ك الصلاة، ب إمارة البر والفاجر ١/ ١٤٠.
(٢) فى الأصل: الأشعب.
(٣) فى س: شبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>