للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) وحدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِير، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - وَهُوَ ابْنُ كَثِير - عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا فُلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ ". قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ ظُلَّةً. بِنَحْوِ حَدِيثهِمْ.

ــ

وهو حلو على الأسماع كحلاوة العسل على المذاق، ولأن القرآن وحى، والعسل من هذا الباب، قال الله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} (١)، فقد حصل لهما اشتراك فى اللفظ وإن اختلفت معانيهما.

وقوله: " لا تقسم " وقد أقسم، حجة فى أن من قال: أقسم، لا كفارة عليه؛ إذا لم يقل: بالله؛ لأنه (٢) لم يزد على قوله: أقسم عليك. فلم يجبه لذلك ولم يجبه ولا أمره بكفارة. واختلف إذا نوى بالله، واختلف فيه عن مالك، ومشهور قوله: أنه ليس بيمين حتى يقول: بالله، وقد ذكرنا هذا بأبسط فى حديث: " خيركم قرنى " (٣) بعد هذا، وكذلك جاء فى السمن من البقر " أنه شفاء من كل داء " (٤).

وقوله: كان مما يقول لأصحابه: من رأى منكم رؤيا فيقصها أعبرها له: معنى " مما " هنا عندهم: كثيراً ما كان يفعل كذا. قال ثابت فى مثل هذا: كأنه يقول: هذا من شأنه ودأبه، فجعل " ما " كناية عن ذلك، يريد ثم أدغم نون " من " فقال: " مما ". وقال غيره معنى (٥): " مما " هنا - والله أعلم -: " ربما "، وهو من معنى ما تقدم لأن " ربما " تأتى للتكثير أيضاً.

فيه الحض على علم الرؤيا والتهمم بها وشرف علمها وصحته. ويحتمل أن أمره لهم بذلك إما لتعلمهم علمها أو تعرفهم مسراتها، ويدخل المسرات على المسلمين بسببها، أو ليزداد علماً من علم الغيب وأسرار الكائنات بما يطلع علمه منها؛ إذْ هى أحد أجزاء النبوة. وفيه أنه لا يعبر الرؤيا كل أحد، ولا يعبرها إلا العالم بها.


(١) النحل: ٦٨.
(٢) فى ز: لا أن، والمثبت من ح.
(٣) مسلم ك فضائل الصحابة، ب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (٢٥٣٥/ ٢١٤).
(٤) رواه الطبرانى عن زهير، مجمع الزوائد ك الطب، باب التداوى بسمن البقر ٥/ ٩٣ وقال: رواه الطبرانى، والمرأة لم تسم، وبقية رجاله ثقات.
(٥) نقله القرطبى عن القاضى، المفهم ٣/ ٢٢٣، شرح النووى ٣٠١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>