للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخُلَاصَةُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْخُلَاصَةُ الصَّحِيحَةُ لِدِينِ اللهِ الْحَقِّ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، الَّذِينَ لَمْ يُحْفَظُ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِهِمْ كُلُّهُ كَمَا بَلَّغُوهُ لِأَقْوَامِهِمْ، وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهَا يُنَافِي مَصَالِحَهُمْ كَتَشْدِيدَاتِ التَّوْرَاةِ فِي أُمُورِ الْمَعِيشَةِ وَالْحَرْبِ، وَأَثَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْبَشَرِ، وَتَشْدِيدِ الْأَنَاجِيلِ فِي الزُّهْدِ وَتَرْكِ الدُّنْيَا. وَقَدْ نَسَخَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ جُلَّ مَا جَاءُوا بِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَاصًّا بِشُعُوبِهِمْ فِي أَزْمِنَتِهَا، وَزَادَ عَلَيْهَا مَا أَكْمَلَهَا بِهِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُبَيِّنًا إِيَّاهَا أَكْمَلَ الْبَيَانِ، مُؤَيَّدًا بِأَوْضَحِ الْبُرْهَانِ، مَعَ أُصُولِ التَّشْرِيعِ الْعَامِّ الْمُوَافِقِ لِمَصَالِحِ الْبَشَرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَكَانَ مِنْ بَرَاهِينِ صِحَّتِهِ ظُهُورُ هَذِهِ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ أُمِّيٍّ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَلَمْ يُعَاشِرِ الْمُتَعَلِّمِينَ الْعَارِفِينَ بِالْكُتُبِ السَّابِقَةِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِ

كِتَابِهِ الْخَالِدَةِ - وَرَاءَ إِعْجَازِهِ لِلْبَشَرِ بِعُلُومِهِ وَتَشْرِيعِهِ وَإِخْبَارِهِ عَنِ الْغَيْبِ وَبِبَلَاغَتِهِ وَأُسْلُوبِهِ الَّذِي يَعْلُو جَمِيعَ كَلَامِ الْبَشَرِ - أَنَّ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ عِلْمُ الْبَشَرِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ لَمْ يَنْقُضْ شَيْئًا مِنْهُ.

فَلَا وَسِيلَةَ لِإِنْقَاذِ الْعَالِمِ الْمَدَنِيِّ الْعَصْرِيِّ مِمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ الْمَادِّيَّةِ، وَالْفَوْضَى الدِّينِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ، وَتَعَارُضِ الْمَذَاهِبِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ وَالشُّيُوعِيَّةِ، إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ الْوَسَطِ كَمَا يَعْتَرِفُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى مِنَ الْمَادِّيِّينَ، وَقَدْ قَوِيَ اسْتِعْدَادُ الشُّعُوبِ الْأُورُبِّيَّةِ لِلِاهْتِدَاءِ بِهِ إِذَا أَمْكَنَ بَيَانُهُ لَهُمْ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى، وَبَيَّنَهُ رَسُولُهُ الْأَعْظَمُ بِسُنَّتِهِ الْمُتَّبَعَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ سَلِيمَةً مِنَ الْبِدَعِ وَالْآرَاءِ الْمَذْهَبِيَّةِ، وَالْخُرَافَاتِ التَّصَوُّفِيَّةِ، وَكَانَ حَكِيما الْإِسْلَامِ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَالشَّيْخُ مُحَمَّد عَبْدُهُ يَعْتَقِدَانِ أَنَّ مَآلَ الْإِفْرِنْجِ إِلَى الْإِسْلَامِ، إِسْلَامِ الْقُرْآنِ لَا إِسْلَامِ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ، وَكَثِيرٍ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا آلَ الْأَمْرُ إِلَى أَخْذِ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ - بِالْوِرَاثَةِ دُونَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ - إِلَى أَخْذِ الْإِسْلَامِ عَنْهُمْ.

وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَرَى كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُونَ عُلُومَ الْإِسْلَامِ عَنِ الْمُسْتَشْرِقِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ، وَبَدَءُوا يُقَلِّدُونَ دَوْلَةَ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ فِي أَمْرِيكَةَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَرْكِ شُرْبِ الْخَمْرِ.

إِنَّ الْإِفْرِنْجَ وَلَا سِيَّمَا أُولِي التَّرْبِيَةِ الْحُرَّةِ الِاسْتِقْلَالِيَّةِ مِنْهُمْ يَقْرُبُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَإِنَّمَا يُرْجَى اهْتِدَاؤُهُمْ بِهِ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ بِتَأْلِيفِ جَمْعِيَّةٍ غَنِيَّةٍ ; لِنَشْرِ دِعَايَتِهِ فِي أُورُبَّةَ وَأَمْرِيكَةَ، وَهَذَا مَا كُنَّا شَرَعْنَا فِيهِ مُنْذُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، إِذْ أَنْشَأْنَا جَمْعِيَّةَ الدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ، وَمَدْرَسَةَ الدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ لَهَا، وَكُنَّا قَدْ وُفِّقْنَا لِتَقْرِيرِ وِزَارَةِ

الْأَوْقَافِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِمِصْرَ لِلنَّفَقَةِ عَلَى الْمَدْرَسَةِ، وَلَكِنَّ الدَّسَائِسَ الْأَجْنَبِيَّةَ فَازَتْ بِحَمْلِ وِزَارَةِ الْأَوْقَافِ عَلَى إِلْغَاءِ هَذِهِ الْإِعَانَةِ فِي زَمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>