للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلف وعلى طريقة السّنّة. فأيّد مقالاتهم بالحجج الكلاميّة وأثبت الصّفات لي قائمة بذات الله تعالى، من العلم والقدرة والإرادة الّتي يتم بها دليل التمانع وتصحّ المعجزات للأنبياء. وكان من مذهبهم إثبات الكلام والسّمع والبصر لأنّها وإن أوهم ظاهرا النقص بالصوت والحرف الجسمانيّين، فقد وجد للكلام عند العرب مدلول آخر غير الحروف والصوت، وهو ما يدور في الخلد. والكلام حقيقة فيه دون الأوّل، فأثبتوها للَّه تعالى وانتفى إيهام النقص. وأثبتوا هذه الصّفة قديمة عامّة التعلّق بشأن الصّفات الأخرى. وصار القرآن اسما مشتركا بين القديم بذات الله تعالى، وهو الكلام النفسيّ والمحدث الّذي هو الحروف المؤلّفة المقروءة بالأصوات. فإذا قيل قديم، فالمراد الأوّل، وإذا قيل مقروء، مسموع، فلدلالة القراءة والكتابة عليه. وتورّع الإمام أحمد بن حنبل من إطلاق لفظ الحدوث عليه، لأنّه لم يسمع من السّلف قبله: لا إنّه يقول أنّ المصاحف المكتوبة قديمة، ولا أنّ القراءة الجارية على السنّة قديمة، وهو شاهدها محدثة. وإنّما منعه من ذلك الورع الّذي كان عليه. وأمّا غير ذلك فإنكار للضروريّات، وحاشاه منه. وأمّا السّمع والبصر، وإن كان يوهم إدراك الجارحة، فهو يدلّ أيضا لغة على إدراك المسموع والبصر، وينتفي إيهام النقص حينئذ لأنّه حقيقة لغويّة فيهما.

وأمّا لفظ الاستواء والمجيء والنزول والوجه واليدين والعينين وأمثال ذلك، فعدلوا عن حقائقها اللّغويّة لما فيها من إيهام النقص بالتشبيه إلى مجازاتها، على طريقة العرب، حيث تتعذّر حقائق الألفاظ، فيرجعون إلى المجاز. كما في قوله تعالى: «يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» وأمثاله، طريقة معروفة لهم غير منكرة ولا مبتدعة.

وحملهم على هذا التأويل، وإن كان مخالفا لمذهب السّلف في التّفويض أنّ جماعة من أتباع السّلف وهم المحدّثون والمتأخّرون من الحنابلة ارتكبوا [١] في محمل هذه الصّفات فحملوها على صفات ثابتة للَّه تعالى، مجهولة الكيفيّة. فيقولون في


[١] كذا. ومقتضى سياق العبارة: ارتبكوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>