«اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ٧: ٥٤» تثبت له استواء، بحيث مدلول اللّفظة، فرارا من تعطيله. ولا نقول بكيفيّته فرارا من القول بالتشبيه الّذي تنفيه آيات السلوب، من قوله «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ٤٢: ١١، سُبْحانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ٢٣: ٩١، تعالى الله عما يقول الظالمون، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ١١٢: ٣» ولا يعلمون مع ذلك أنّهم ولجوا من باب التشبيه في قولهم بإثبات استواء، والاستواء عند أهل اللّغة إنّما موضوعة الاستقرار والتمكّن، وهو جسمانيّ. وأمّا التعطيل الّذي يشنّعون بإلزامه، وهو تعطيل اللّفظ، فلا محذور فيه. وإنّما المحذور في تعطيل الآلة. وكذلك يشنّعون بإلزام التكليف بما لا يطاق، وهو تمويه. لأنّ التشابه لم يقع في التكاليف. ثمّ يدّعون أنّ هذا مذهب السّلف، وحاشا للَّه من ذلك. وإنّما مذهب السّلف ما قرّرناه أوّلا من تفويض المراد بها إلى الله، والسكوت عن فهمها. وقد يحتجّون لإثبات الاستواء للَّه بقول مالك:«إنّ الاستواء معلوم الثبوت للَّه» وحاشاه من ذلك، لأنّه يعلم مدلول الاستواء. وإنّما أراد أنّ الاستواء معلوم من اللّغة، وهو الجسمانيّ، وكيفيّته أي حقيقته. لأنّ حقائق الصّفات كلّها كيفيّات، وهي مجهولة الثبوت للَّه.
وكذلك يحتجّون على إثبات المكان بحديث السوداء، وأنّها لمّا قال لها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. أين الله؟ وقالت في السّماء، فقال أعتقها فإنّها مؤمنة. ٥٣ قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يثبت لها الإيمان بإثباتها المكان للَّه، بل لأنّها آمنت بما جاء به من ظواهر، أنّ الله في السّماء، فدخلت في جملة الراسخين الّذين يؤمنون بالمتشابه من غير كشف عن معناه. والقطع بنفي المكان حاصل من دليل العقل النّافي للافتقار. ومن أدلّة السلوب المؤذنة بالتنزيه مثل «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ٤٢: ١١» وأشباهه. ومن قوله:«وَهُوَ الله في السَّماواتِ وَفي الْأَرْضِ ٦: ٣» ، إذ الموجود لا يكون في مكانين، فليست في هذا للمكان قطعا، والمراد غيره. ثمّ طردوا ذلك المحمل الّذي ابتدعوه في ظواهر الوجه والعينين واليدين، والنزول والكلام بالحرف والصوت يجعلون لها مدلولات أعمّ من الجسمانيّة وينزّهونه عن مدلول الجسمانيّ