للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسألة مبيَّنَةٌ في "أصول الفقه".

وأمّا بَيعُ الرَّطب بِاليَابِس، كَالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَالبَيَضَاءِ بالسُّلْتِ، فإنّ جماعةً من فقهاء الأمصار أَبَتْهُ، منهم مالكٌ (١) والشّافعىُّ (٢)، وجوَّزَهُ أبو حنيفةَ (٣) ببغداد، وهي أوَّلُ مسألةٍ سُئِلَ عنها ببغدادَ، قال لنا فخرُ الإسلام (٤): دخل أبو حنيفة، فسُئِلَ: هل يجوزُ بيع الرُّطَب بالتَّمْرِ؟

قال.: ذلك جائزٌ.

قيل له: ما الدّليل؟

قال: لا يخلو أنّ يكونَ الرُّطَبُ والتَّمرُ جِنسًا واحدًا أو جِنسين، فإن كان جِنْسًا واحدًا جازَ متماثِلًا، وإن كان من جنسين جازَ متفاضِلًا ومتماثلًا.

قيل له: إنَّ زيدًا أبا عيَّاش سأل سَعْدَ بنَ أبي وَقَّاص عن البَيْضَاءِ بالسُّلتِ. الحديث إلى آخره؟ فقال: ذلك لا أعرِفُه.

وهذا الدّليلُ الّذي ذكر أبو حنيفةَ هو محضُ القياسِ، ولُبابُ النَّظرِ، لولا الحديثُ المذكورُ، إِلَّا أنّ عندَه أنّ خبرَ الواحدِ إذا خالفَ الأصولَ سقط في نفسه، وقد مهّدنا ذلك في "أصول الفقه"، طَعنُه في زَيدِ أبي عيَّاشٍ بجهالته له لا يؤثِّر فيه، فإنّه كان موقوفًا


(١) قال مالك في الموطَّأ: ٢/ ١٤٧ "كلّ رطب بيابسٍ من نوعه حرامٌ" وقول مالك هذا لم يثبته محقق الموطَّأ في صلب الكتاب وإنّما أورده في الهامش، مع أنّ الصّواب وضعه في المتن، بدليل قول ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٩/ ١٤٨ "قول يحيى عن مالك لم يروه أحدٌ في الموطَّأ غيره فيما علمت، ومعنا. صحيح في مذهبه".
(٢) في الأم: ٦/ ٥٤ (ط. قتيبة)، وانظر الحاوي: ٥/ ١٣٠.
(٣) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٦، والمبسوط: ١٢/ ١٨٤.
(٤) هو أبو بكر الشاشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>