للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا أمر الله سبحانه وهكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - وامتثل .. فسينهض هؤلاء الفرسان يومًا من مراقدهم مزينين بالشهادة والطعنات .. ولون الدم ورائحة العطر تفوح من جراحهم وتعطر المكان من حولهم .. كان الجو مشحونًا بالحزن .. ليس هناك أقسى ولا أكثر دموعًا وانتحابًا من لحظات الدفن ومغادرة القبر والأحباب تحت التراب .. لحظات كان فيها جابر حزنًا ودموعًا .. لكن الله أنزل ما يخفف حزنه .. فالتفت - صلى الله عليه وسلم - إلى جابر المجروح وقال له:

(يا جابر .. ما لي أراك منكسرًا؟ قال: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا ودينًا. قال - صلى الله عليه وسلم -: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: [ما كلم الله أحدا قطّ إلَّا من رواء حجاب، وكلّم أباك كفاحًا]، "يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك" فقال: يا عبدي .. تمنّ علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرب سبحانه:

إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون [قال: يا رب .. فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}) (١) {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ


(١) حسنه الإمام الألباني في صحيح ابن ماجه -واللفظ له- (١٩٠) - (٢٨٠٠) والترمذيُّ (٣٢١٠) والذي يبدو لي أن الحديث ليس حسنًا كله .. لذلك وضعت المعقوفين بين الألفاظ التي لم أجد لها شاهدًا .. وذلك لأن هذا اللفظ تفرد به -حسب علمي- موسى بن إبراهيم ابن كثير وهو وإن روى عنه جمع من الثقات إلا أنه لم يوثق لفظيًا بل جاء عكس ذلك فقد جرحه ابن حبان في ثقاته وقال: كان ممّن يخطئ (٧/ ٤٤٩) ولعل هذه الزيادة من أوهامه .. قال الحافظ في التقريب (٢/ ٢٨٠): صدوق يخطئ وسكت عنه ابن أبي حاتم (٨/ ١٣٣).
ولبقية الحديث شاهد حسن عند أحمد عن جابر .. حدثني ابن المديني عن سفيان بن عيينة عن محمَّد بن علي بن ربيعة عن ابن عقيل عن جابر .. ومحمَّد بن علي ثقة (ذيل الكاشف- ٢٥٤) =

<<  <  ج: ص:  >  >>