هذا هو بلال الجديد رفض أن يقضى حياته منحنيًا لسوط وحجر .. كان يرمي جسده كأنه يقول خذوه فهو لكم .. لكنكم لن تنالوا من روحي وإرادتي شيئًا ما دمت مع الله .. فالروح لها طريق لا تعرفه قريش ولا أصنامها .. طريق فسيح لا تردمه الجبال .. طريق طاهر لا تمسه أيدي المشركين.
كانت مأساته مع قريش دامية مؤلمة .. وكان منظره يذيب الصخر وهو يسحب في دروب مكة وشعابها .. يلعب به الصبيان والسفهاء .. وهو يسقط المرة تلو المرة من الإعياء .. ثم يضطر إلى الوقوف مرة أخرى من لسع السياط والعصي على رأسه وجسده .. كان المسلمون حوله يتحرقون عليه لكن ماذا يفعلون وهم ليسوا بأحسن حال منه .. حتى أشرقت شمس الحرية يومًا يحملها أبو بكر الصديق الحنون فقد تقدم نحو مالك بلال .. نحو المجرم: أمية بن خلف فعرض عليه شراءه .. فوافق الطاغية بعد أن كلت يداه وقدماه من الصفع والركل والضرب فلم يظفر بشيء من ذلك العملاق المتلبط بين السياط .. ودفع أبو بكر الثمن .. وقبض المجرم وتوجه أبو بكر نحو ساحة التعذيب يمد يده لينتشله .. فكيف كانت حال بلال .. وعلى أي صورة وجده .. هذا هو قيس بن أبي حازم يروي لنا آخر فصول المأساة البلالية فيقول:(اشترى أبو بكر بلالًا وهو مدفون بالحجارة)(١).
(١) سنده قوي، كما قال الإمام الذهبي، رواه ابن عبد البر في الاستيعاب (٢/ ٣٤) انظر سير الأعلام النبلاء (١/ ٣٥٣) من طريق حامد بن يحيى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل عن قيس وهؤلاء الرجال على درجة من التوثيق كبيرة، فحامد بن يحيى بن هانئ البلخي قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة حافظ (١/ ١٤٦) وسفيان بن عيينة إمام معروف، أما أستاذه في هذا الحديث وهو إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي فهو ثقة ثبت تجد ذلك في التهذيب (١/ ٦٨) وقد أكثر الرواية عن شيخه المخضرم: قيس بن أبي حازم البجلى، وهذا الأخير رحمه الله أدرك الإسلام والجاهلية، رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو ثقة مقبول. انظر التقريب (٢/ ١٢٦).