للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين قرينتين لا ينبغى أن تنفك إحداهما عن الأخرى، حتى يفوز صاحبهما ويسعد، وإلا فالشقوة والهلاك".

* *

* انتصاره لمذهب المعتزلة فى الحُسْن والقُبْح العقليين:

ولما كان الزمخشرى يقول بمبدأ المعتزلة فى التحسين والتقبيح العقليين، كان لابد له أن يتخلص من ظاهر هذين النصين المنافيين لمذهبه، وهما: قوله تعالى فى الآية [١٦٥] من سورة النساء: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل} ، وقوله فى الآية [١٥] من سورة الإسراء: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً} .. فنراه فى الآية الأولى يستشعر معارضة ظاهر الآية لهذا المبدأ فيسأل هذا السؤال: "كيف يكون للناس على الله حُجَّة قِبَل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله من الأدلة التى النظر فيها موصل إلى المعرفة، والرسل فى أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر فى تلك الأدلة، ولا عُرِفَ أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها

ثم يجيب هو عن هذا السؤال فيقول: "قلت: الرسل منُبِّهون عن الغفلة، وباعثون على النظر، كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أُمور الدين، وبيان أحوال التكليف. وتعليم الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعِلَّة، وتتميماً لإلزام الحُجَّة لئلا يقولوا: لولا أرسلتَ إلينا رسولاً فيوقظنا من سِنَة الغفلة، وينبهنا لما وجب الانتباه له".

وعندما تكلم عن الآية الثانية نراه يستشعر مثل ما استشعر فى الآية الأولى، ويسأل ويجيب بمثل ما سأل عنه وأجاب به فى الآية الأولى فيقول: "فإن قلت: الحُجَّة لازمة لهم قبل بعثة الرسل، لأن معهم أدلة العقل التى بها يُعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التى لا سبيل إليها إلا بالتوقيف والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان. قلت: بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة، لئلا يقولوا: كنا غافلين فلولا بعثتَ إلينا رسولاً ينبهنا على النظر فى أدلة العقل".

* *

* انتصار لمعتقد المعتزلة فى السحر:

ثم إن الزمخشرى - كغيره من المعتزلة - لا يقول بالسحر ولا يعتقد فى السَحَرة، ولهذا نجده عندما يفسِّر سورة الفلق التى تشهد لأهل السُّنَّة ولا تشهد له، لا تخونه مهارته، ولا تعوزه الحيلة التى يخرج بها فى تفسيره من هذه الورطة الصريحة، كما نجده يشدِّد النكير ويغرق فى الاستهزاء والسخرية بأهل السُّنَّة القائلين بحقيقة السحر، وذلك حيث يقول: "النفَّاثات: النساء أو النفوس، أو الجماعات السواحر، اللاتى يعقدن عُقَداً فى الخيوط، وينفثن عليها ويرقين. والنفث: النفخ من

<<  <  ج: ص:  >  >>